[size=9][b]رغم أن الله لم يترك نفسه قط بدون شاهد (أع 14: 17)، ورغـم أن الشهادة لله كانت في البداية شفاهية - كما رأينا - فقد أتى الوقت الذي أصبح ينبغي أن يكون فيه لله شهادة مكتوبة.
وهناك عدة مميزات للشهادة المكتوبة عن الشهادة الشفاهية:
1- حفظها من الفساد والتلف: بالإضافة عليها أو الحذف منهـا أو التبديل فيها. فطالما أن الوثنية دخلت، ومن ورائها الشيطان بقدرته الفائقة على التزوير (كما اتضح من تجربته لحواء في الجنة - تك3)، أصبح لازماً أن يكون لله شهادة مكتوبة.
2- حفظها من النسيان: وهو الغرض الذي ذكره الرب في أول إشارة إلى كتابة كلامه بالوحي «فقال الرب لموسى اكتب هذا تذكاراً في الكتـاب وضعه في مسامع يشوع» (خر17: 14 انظر أيضاً يش1: 8).
3- نقلها من جيل إلى جيل: فعندما تكتب الشهـادة لا تكون مقتصرة على عمر الإنسان الذي أوحى الله إليه بها، لا سيما بعد أن قصرت الأعمار (2بط1: 14،15، 1كو10: 11).
4- لنشرها في كل مكان: فلا تقتصر على ظروف من يتلقى الوحي؛ من مرض أو شيخوخة أو حتى سجن (إر 36: 5،انظر أيضا إر 32: 2، 3، 33: 1، 39: 15،...)، بل يمكنها الانتشار في كل العالم (انظر كو4: 16).
وعندما أعطى الله كلمته مكتوبة حرص على أن يوضح أهمية تلك الكلمة؛ فهو أولاً طلب حفظها في أهم بقعة في كل الأرض « خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم » (تث31: 26) « فكتبت علـى اللوحين مثل الكتابة الأولى الكلمات العشر التي كلمكـم بها الرب . . . ووضعت اللوحين في التابوت الذي صنعت فكانا هناك كما أمرني الرب » (تث10: 4،5). فلقد وُضعت « الشهادة » داخل « تابوت الشهادة » في « خيمة الشهادة ». لاق بالمرنم أن يقول فيما بعد « أنت أوصيت بوصاياك أن تُحفظ تماماً» (مز119: 4).
وكتابنا المقدس لم يهبط من السماء دفعة واحدة، بل لقد استغرقت كتابته فترة زمنية نحو1600 سنة، وفى خلال هذه السنين كان الكتاب ينمو شيئا فشيئاً. الكتاب إذاً كائن حي؛ بدأ صغيراً، ومع ذلك كان كاملاً وفيه حياة. ولما نما ظل كاملاً وظلت فيه الحياة.
والكتاب في مولده ونموه يذكرنا بمولد الفجر وشـروق الشمس، ثم ازدياد نورها إلى أن تصل إلى أوج النور عندما تتوسط الشمس كبد السماء، ولا شئ يختفي من حرها.
لقد عامل الله البشرية في طفولتها كما نتعامل مع الطفل في روضة الأطفال. فالأطفال في سني الروضة يتعلمون الأبجدية وشيئاً من الدروس الأولية البسيطة؛ إننا طبعاً لا نعلمهم الخرافات،بلما هو صحيح، لكن على قدر مستواهم البسيط. ثممع نمو الطفل، تكبر معارفه؛ وعندها نحنلا نقوم بتصحيح ما تعلمه الطفل فى البداية، بل فقط نعمق معارفه إذ يبنى على ما سبق أن تلقنه بصورة أولية بسيطة.
ولقد شبه أحدهم نمو الكتاب المقدس تدريجياً بامرأة تسير في حديقة غناء إلى جوار الرجل العظيم الذي يمتلك تلك الجنة. والمرأة ممسكة في يدها باقة رائعة من الورود الجميلة أهداها لها صاحب الحديقة. ومن آن إلى آخر يقطف الرجل وردة أخرى من فردوسه ويضيفها إلى باقة الورود التي تمسكها السيدة، إلى أن اكتملت تلك الباقة الرائعة. ولو أن الباقة كانت مقدرة ومعتبـرة من السيدة حتى قبل اكتمالها؛ من بداية أول خمس زهرات قدمها ذلك السيد العظيم، وسلمها لهذه المرأة العزيزة على قلبه. هكذا تماماً كان تقدير المؤمنين إلى أسفار الوحي المقدس منذ البداية.
وعندما نقرأ في سفر المزامير؛ المزمور التاسع عشـر مثلاً، كان ما يقرب من ثلثي أسفار الكتاب المقدس لم يُكتب بعد، فإننا نجد كيف كان داود يُقـدِّر الكتاب الذي بين يديه ويعتبره وحي الله الكامل، المحيى، والحق (ع7-9).