أطروحاته اللاهوتية :
هذا الاهتمام المتنوع بالتعليم الديني جعل لاهوت افرام عقائدياً ـ راعوياً .أما المواضيع الرئيسة التي تناولها ،فهي:وحدانية الله ،الثالوث الأقدس ،المسيح،مريم،الكنيسة وأسرارها،قيامة الأموات ،الخطيئة ،
الآداب المسيحية .وبالإمكان تأليف كتاب كامل عن كل موضوع من هذه المواضيع التي عالجها افرام
ولضيق المجال نعرض بإيجاز أهمها :
1-وحدانية الله والثالوث
يدافع افرام عن وحدانية الله ،ويرفض بشدة وجود إلهين أو أكثر على طريقة المانويين والوثنيين.
((لم يكرز المسيح ولم يعلم إلا بوجود إله واحد ،ولا يوجد كما يزعم مرقيون،إله عادل وآخر رحوم
لا يوجد سوى إله واحد أحد هو في آن معاً عادل ورحوم))(دياطسرون11،13؛11،23؛14،9؛15،6).
ولتحديد وحدانية الله يستعمل افرام لفظة الكائن الواجب الوجود ضد نظرية الكائنات الإلهية والعناصر عند الغنوصيين :الكائن واحد هو قد خلق كل شيء : ((داود لم يسّمِ الكائنات لأن الكائن واحد هو ،ولأن اسم الكائن يبطل اسماءها ((ضد البدع53/7 )،((الكائن واحد إسما وطبيعة))(ضد البدع53/9 )وهو الذي أوجد الكائنات (ضد البدع 53/10 )ولكن((إن الجوهر الواحد الذي لا يتغير ،بمحبته يقبل التغيير))(البتولية27/11 ).
نعرفه من خلال خليقته ((فالسماء والأرض وكل ما فيهما دلائل على وجود الخالق ونعمته ،كذلك الفردوس ينادي بأنه وهبه مجاناً(الكنيسة 48/10)،((الطبيعة والكتاب..شاهدان ممتدان… إلى كل مكان ،حاضران في آن ،يؤنبان الكافر الذي ينكر الخالق))(الفردوس 5/2 ).
إن افرام ،عندما يتكلم عن الله ،لا ينطلق من البراهين الفلسفية ،بل من خبرته الإيمانية وخبرة كنيسته لذا يؤكد بأن سر الله لا يمكن كشفه كشفا تاما إلا بواسطة الوحي.أما عن الثالوث الأقدس ،فيذكر صراحة التعبير الانجيلي ((الآب والابن والروح القدس )).والذي يقصده بالثالوث ليست ثلاثة آلهة مستقلة بل ((تعلمت وآمنت إنك واحد في وجودك ،سمعت وتحققت أنك الآب بوحيدك ،ونلت المعمودية بالثالوث باسم الروح القدس ))(ضد البدع 3/12 )،((ها هي ذي اسماء الآب والابن والروح القدس ،إنها علامة المسيحي ))(ضد البدع 27/3 ).
ويستخدم أفرام مثل الشمس ،المألوف لدى الآباء لإيضاح ذلك:القرص والحرارة والضوء هي ثلاث حقائق متميزة ،ولكن غير منفصلة من ذات الشمس (ضد البدع نشيد 4 والبتولية 52/3 ـ 4 ).
ولو صح القول وسمينا الأقاليم ثلاث طرق وجود ،أو ثلاثة اسماء لله الواحد،لما خنا فكرة افرام
(طالع ضد البدع3/4 ،51/7 ).يؤكد بأن الابن ((الكلمة))مساو للآب وليس أصغر منه ،وكذلك الروح القدس يسميه أحياناً ((روح يسوع ))،لربما لأنه يواصل حضوره بين الجماعة (الكنيسة).
2-مسيحانيته
لم يلجأ افرام إلى استعمال الألفاظ الفلسفية لشرح مسيحانيته لمستمعيه ،بل ظل في نفس الخط المعتدل الذي سلكه كتاب ((العهد الجديد)).فهو يؤكد بأن نصوص الإنجيل تظهر جليا المسيح التاريخي الكامل وليس مسيحا مجزءاً :إله من جهة وإنسان من جهة أخرى. ((هكذا في قانا(يوحنا2/1 ـ 12 )المسيح مدعو إلى حفلة الزفاف مع الآخرين وبنفس العنوان ،لأنه ظاهريا مثلهم ،
إلا أن المعجزة التي اجترحها ..برهنت على قوة الله (الحاضرة )فيه))(دياطسرون ارمني4/10 ).
المسيح في قناعة أفرام إنسان وإله في الوقت ذاته: ((لقد تاه العقل في أمرك أيها الغني ففي لاهوتك غوامض كثيرة ،وفي ناسوتك ظواهر فقيرة .فمن يسبر غورك أيها البحر الكبير الذي صغّر ذاته .
إن جئنا نراك إلها ،فها أنت إنسان ،وإن جئنا نراك إنسانا فها قد شعت علامة لاهوتك.فمن يقف على تغييراتك أيها الثابت ))(الميلاد 13/8 ـ9 ).
يؤكد أفرام على إنسانية المسيح الملموسة أمام المظهريين الذين كانوا ينكرون حقيقة جسد المسيح ،وكانوا يزعمون إنه مجرد خيال ((شبه لهم )).فبالنسبة إليه ،يسوع إنسان حقيقي مرتبط بوطن معين وقبيلة معروفة وأمه مريم وأبوه يوسف ،وكلاهما منتميان إلى قبيلة يهوذا (دياطسرون ارمني1/25 ).ولم يخف المسيح إنسانيته ولم ينكرها ،فقد ولد وله جسد ،واعتمد وجاع وعطش وتعب وبكى وتألم ومات (دياطسرون20/4 )،((لقد انحدر ولبس جسداً ضعيفاً))(الإيمان 29/2 ).((لقد مكث على الأرض ثلاثين سنة ،بالفقر ،لننشد له ،يا إخوتي أناشيد التسبيح على أنواعها لأنه ربنا (الميلاد18/4 )،((لقد أسلم ـ الله ـ إبنه عنا حتى نؤمن به ،لأن جسده بيننا وحقيقته عندنا ،جاء يهبنا مقاليد الفردوس))(الفردوس7/1 ).
بما أن المسيح هو كلمة الله ،فهو صورة الآب الحقة ومسار له ومولود منه ،وليس له من مشيئة أخرى سوى مشيئة الآب (الكنيسة27/9 )وهو وحده قادر على كشفه: ((بما أن المسيح هو ابن الله فهو وحده قادر أن يظهر لنا الآب))(دياطسرون ارمني8/1 ).وعن عمله يقول((ادخل الكل في المسيح الداخل كما كان قد خرج الكل بآدم الخارج))(الفصح 17/10 ).
ومن بين الألقاب الكثيرة التي يطلقها مار أفرام على المسيح ،والتي تعكس حياته وتعليمه ،نذكر:
الرب الطبيب،المعلم ،الراعي ،النبي ،الكاهن ،والملك.ويتوقف بارتياح على لقب الملك ،مظهراً نوعية ملكه الروحي ،وشموليته .(دياطسرون ارمني3 ،9 /4 ،14/16 ).
3-مريم أم المسيح وأمنا
ركز أفرام على دور مريم ،والدة المخلص ،حواء الجديدة ،البتول ،تابوت العهد،العروس… فجاءت الأناشيد التي خصها بها كثيرة ،يعبر فيها عن تعلقه واحترامه العميق لها ،لذلك عدّ بحق شاعرها .
خط افرام معتدل وبسيط وقلما نجد مغالاة ،فدور مريم لا يتخطى الدور الذي يذكره الإنجيل .فهو مثل سابقيه ،لا يعرف مصطلح ((والدة الله))الذي استعمله الاسكندريون ،منذ القرن الرابع ،وتبناه مجمع افسس عام431 ،إنما يسميها مباشرة((أم المسيح))وهذه التسمية لا تنقص من قيمتها ولا تنفي أن مولودها هو ابن الله. ((كوني عذراء ـ تقول مريم للمجوس ـ أنجبت إبنا هو ابن الله ،فاذهبوا وبشروا به ))(بيك ،سوغيثا 4/46 ).
في نظره ،الحبل بيسوع عجائبي ،ومريم بقيت عذراء بعد الولادة أيضاً: ((كانت مخطوبة حسب الطبيعة ،قبل مجيئك ،وحملت بخلاف الطبيعة بمجيئك ،أيها القدوس ،ومكثت عذراء إذ ولدتك بالقداسة (الميلاد 11/3 ).وهذه اشارة واضحة إلى أصل المسيح الإلهي وإلى بقاء مريم بتولا: ((أمك يارب ،لا يعرف المرء كيف يدعوها .بتولا؟ها هوذا ابنها حاضر .متزوجة؟
لم يمسها رجل .وإن كانت أمك لا تدرك ،فأنت من يقدر أن يدركك ؟.(الميلاد11/1 )((الحشا حملك من دون زواج ،ومن دون زرع البطن ولدك ))(الميلاد 15/6 ).
ينفرد أفرام بجعل الحبل بيسوع قد حصل عن طريق السماع ،لربما لعلاقة البشري بالسمع: ((بأذنها شعرت مريم بالخفي الذي جاءها مع صوت الملاك ،وحلت في أحشاءها القوة التي أتت إلى البشر ،فتسأل الموت والشيطان ما عسى أن يكون شأنه؟))(الكنيسة35/18 )،((مريم في الناصرة ،الأرض العطشى ،حبلت بالسيد عن طريق السمع))(البتولية23/5 ).في كل الأحوال يؤكد الكاتب أن المسيح في الرحم حبل به ومنه ولد (الميلاد1/15؛2/7 )وإنه الولد الوحيد الذي أنجبته ولم يكن لها أن تنجب آخرين ،كونها هيكل الروح القدس (دباطسرون ارمني2/6 ،5/7 ).مريم أم يسوع ،بكر البشرية الجديدة ،هي أمنا ،نحن إخوته الكثيرين ((من أعطى المعوزة أن تحبل وتلد واحدا كُثُراً))(الميلاد 5/9 ).
ومريم ممتلئة نعمة ،وخالية من أي دنس ((أنت ووالدتك فقط تفوقان الجميع جمالا ،فلا عيب فيك ،
يا رب ،ولا دنس في والدتك)).ترانيم نصيبينية(27/8 ).وهذه الصورة يشرحها أفرام من خلال عقده مقارنة متوازية بين حواء ومريم ،عصيان ،خطيئة ،قصاص ،موت ،طاعة ،مكافأة ،نعمة ،حياة ،إنه أسلوب تعليمي يظهر تناقض الحالتين ،ويدعو المؤمن إلى نبذ النموذج الأول ،واتباع النموذج الثاني لكي يحصل على الفرح والسعادة:
((ساذجتان بسيطتان حواء ومريم وضعتا بالمقارنة ....الواحدة علة موتنا والأخرى سبب حياتنا ))(الكنيسة35/1 كذلك البتولية23/9 )
((حواء أذنبت ،ومريم أوفت .فأدت الإبنة دين أمها وبها مزق الصك الذي صار في وجه كل الأجيال))(بيك ،سوغيثا1/26 )
((بعينيها رأت حواء جمال الشجرة ،فأرتسمت في مخيلتها مشورة الغدار،فبالتالي كانت الندامة ))
(الكنيسة35/17 ).
((لبست حواء ببتوليتها أوراق العار ،ولبست أمك ببتوليتها ثوب المجد الذي يكفي الجميع))
(الميلاد17/4 ).
((واضح أن مريم هي أرض النور ،بها استنار العالم وسكانه الذين كانوا قد اظلموا بحواء مصدر كل الشرور ))(الكنيسة37/3 )،((إليه تطلعت حواء ،لأن عري النساء قد عظم ،وهو وحده قادر أن يلبسهن بدلة المجد الذي خسرنه ))(الميلاد1/43 )،والنساء ((يشكرن مريم أمهن على المجد المعطى لهن بواسطتها ))(الميلاد22/23 ).
4-الكنيسة
في الترانيم النصيبينية(13 ـ 21 )التي قرظ فيها أفرام أساقفة نصيبين الذين عاصرهم ،يصف الكنيسة
بجسد المسيح الكبير وبعروسه المحبوبة(17/3 ).وهذه الصورة تدل على مدى الألفة والمحبة القائمتين بين المسيح والمؤمنين به .كنيسة تتسم بالشمولية: ((كنيسة الحقيقي ـ أي المسيح ـ العظيمة،حضنها كبير يكفي لأحتواء العهدين))(ضد البدع2/18 )ويسميها كنيسة الأمم (ضد البدع24/21)
كما يذكر أفرام صفات الكنيسة الأساسية :
واحدة ،مقدسة،رسولية،ويشير بوضوح إلى الخدم الكهنوتية الثلاث الأسقفية والكهنوت ـ لا يميز أحيانا بينهما ـ والشماسية ،كما يثني على خدمة العذارى المكرسات ،ربما لأنهن كن شماسات(21/5) الأسقف هو السلطة العليا في الجماعة(الكنيسة)المحلية ،وهو قائدها ورأسها ،فهو مثل يسوع ((الحبر الأعظم))(ترانيم33/6 ).
وهو صورة حية لرعيته: ((حسبما يكون الأسقف ،هكذا تكون رعيته))(19/2 )،((على الأسقف أن يكون أخا للكهنة،مربيا للشمامسة ،معلما للأطفال ،عكازا للشيوخ ،وحصنا للعذارى المكرسات لله))(21/5 ).ومهمته تقوم في التعليم وحفظ النظام وتوجيه وإدارة شؤون جماعته (13/1 ).إلا أنه لا ينبغي أن ينفرد بالقرارات ،بل عليه أن يختار مستشارين له (18/9 ).على الأرجح كان الأسقف محاطا بفريق من الشمامسة والكهنة من أجل تأمين حاجات الجميع من وعظ وتبشير وخدمة الأسرار.
أما العلمانيون فيسميهم أفرام ،أي غير مكرسين لخدمة معينة(الفصح2/9)،واللفظة((علماني))لا ترد عنده البتة ،ولا يوجد فصل فئوي بين الجماعة الواحدة ،كلهم مؤمنون.
قضية وحدة كنيسة المسيح كانت همّه الكبير .فقد كتب مداريش عديدة لاستنارة الذين يسميهم ب((الضالين))وليعود بهم إلى الحظيرة الواحدة: ((يا رب إجعل الوفاق بين الكنائس يتم في زماننا لتكون كنيسة واحدة حقا ،تجمع أبناءها في حضنها ، لترفع الشكر لصلاحك))(الإيمان52/15 )،
((لو كان جميع ابناء النور متحدين في الكنيسة ،لا زال إشعاعهم الموحد ،الظلام بقوة وحدتهم ))
(الإيمان39/2 ).
5-المعمودية
يرى أفرام ،في عماد يسوع ،أساس عماد المؤمنين وصورته (دياطسرون4/1 ـ 3 ): ((هوذا النار والروح في نهر الأردن ،وها هما في عمادنا أيضاً))(الإيمان10/17 ).الإيمان شرط أساسي للمعمودية ،
وفي بعض الحالات يعوض عن الماء كما في حالة اللص اليمين (لوقا 23/41 ـ 43 )(الإيمان48/1 )،لذا تمنح المعمودية بعد المعرفة التامة بالعقائد الإيمانية وممارستها عند أفرام ،كما في كتاب الديداكي ،يعود العماد إلى الاحتفال الفصحي ،فالصوم الكبير ينهي مرحلة الموعوظين بمنحهم نعمة العماد في سبت النور (البتولية7/2 )،ويترأس الاحتفال عادة الأسقف ،ويتم بالتغطيس ثلاثا باسم الآب والابن والروح القدس ((ها اسماء الآب والابن والروح القدس تتلى على المسحة والعماد))(ضد البدع27/3 )
وكان الكاهن أو الشماس يعمد الذكور البالغين في بيت المعمودية الملاصق للكنيسة ،والشماسة أو إحدى بنات العهد تعمد الاناث ،وكان الجسم كله يغطس في الماء المكرس.توجد مسحة واحدة
(البتولية7/8 )ويسميها علامة المسحة والمعمودية(ضد البدع27/3 )،وختم الروح :
((كذلك ختم الروح الخفي بالزيت يطبع على الأجساد ،يمسحون بالمعمودية ويوسمون))(البتولية7/6 )
((المعمودية السامية ،الجميلة ،الآب وسمها ،والابن خطبها ،والروح ختمها بوسمه الثلاثي))(الدنح2/6)
وهذه المسحة كانت تسبق الغطس (البتولية2/2؛8/2 ).
-يعتبر أفرام العماد ولادة ثانية بعد الولادة الإنسانية ،ومياه المعمودية بمثابة الرحم،وهذا التشبيه نجده عند غالبية الآباء المشارقة: ((تبارك من كثر محاسنكم من مياه المعمودية .صارت المعمودية أما تلد كل يوم روحانيين ،وتقيم اولادا جددا لله بقداسة .تبارك من ولدنا ثانية في حضن العماد ))(الدنح 3/1).
((إن مياه المعمودية هي بمثابة رحم يلد بقوة الروح القدس إنسانا جديدا مقدسا ))(ترانيم نصيبينية27/78،الميلاد 16/11 )،((ترسم فيهم صورة جديدة ،وتلدهم بأسماء مجددة))(البتولية7/5 ).
ومثلما الطفل المولود يرضع حليب أمه غذاء ينميه ويبقيه ،كذلك المعمد يتناول القربان المقدس
((طوبى للمولودين الجدد الذين يتناولون حالا الخبز الكامل بدل الحليب))(البتولية7/8 )
((طوبى لكم أيها الحملان الموسومون بعلامة المسيح لأنكم أصبحتم أهلا لتناول خبزه ودمه ،الراعي أصبح لكم بذاته مرعى))(الدنح3/21 ).
أما عن مفاعيل المعمودية ،فيذكر أفرام :الغفران ،الخلاص ،التطهير(البتولية6/2 ): ((إن الموت ـ الأدبي ـ يزول بالعماد الحقيقي لأن الشخص المعمد في المسيح،يلبس الحي الذي يحيي كل شيء ))(ترانيم نصيبينية 72/14 )،((المسيح شفى الإنسان بشكل شامل لما عمده بالروح القدس ))(ترانيم نصيبينية 46/84 )،((الذي من جسد فاسد ومائت ،يصير بدم المسيح وموته وقيامته ،جسدا حيا ،يحمل عربون الخلود))(ضد البدع17/5 ).
6-الافخارستيا
لم ترد لفظة ((الافخارستيا))في كتابات أفرام،إنما نجد عنده ألفاظاً أخرى تحمل ذات المدلول مثل:دم المسيح،الخبز ،السر ،القربان،الذبيحة.وكل هذه التعابير تشمل الذبيحة والتقدمة والاحتفال (الكنيسة25/14 ).أسسه يسوع نفسه بصفته الحبر الأعظم ،أما الذي يضمن استمراريته في الجماعة (الكنيسة)فهو الروح القدس والكاهن(الإيمان8/8 ، 40/10 ).والغاية من تأسيسه،خلاص الإنسان في وجوده الكامل: ((إن جسده ،بطريقة جديدة ،قد اختلط بجسدنا ،ودمه النقي قد امتزج بدمنا ،
وصوته ولج آذاننا ،وبهاؤه في عيوننا ،هو كله صار بحنانه في وجودنا))(البتولية37/2 ).((خبزه بدون جدل يؤكد قيامتنا .فإذا كان قد بارك الطعام ،فكم بالأحرى يبارك الذين يتناولونه))؟(دياطسرون5/16 ).
ويعتبر أفرام القربان المقدس مرتكز تدبير الخلاص ،لذلك يجد صورا ورموزا له في الكتاب المقدس ،في قرابين الاباء الأولين :هابيل وابراهيم واسحق ويعقوب والفصح اليهودي والخروج وأقوال الأنبياء ،وكذلك في عرس قانا والصيد العجائبي وتكثير الخبزات ،بالنسبة إلى العهد الجديد ((ترانيم نصيبينية 46/11،الإيمان10/10 ،البتولية 33/7 ).وحين يتكلم أفرام عن القربان المقدس ،يمزج النصوص الكتابية بالتقليد الليترجي لكنيسته ،فنجد عنده مثلا المصطلحات الطقسية التي لا نزال نستعملها اليوم في القداس مثل كسر ومزج ورسم:الكسر هو الفعل الذي يتم على الخبز والمزج على الكأس والوسم يدل على الاتحاد والقيامة والحياة.لأن القربان هو حقا رمز موت المسيح ودفنه وقيامته (الفصح 7/2،دياطسرون48/2 ).كما يستعمل لفظة ((مزج))في معنى لاهوتي عميق لاظهار نشاط الله في الخليقة. ((إن البكر لبس طبيعتنا وامتزج بالبشرية .أعطى ما كان له وأخذ ما كان لنا لكي يقدر بامتزاجه أن يعطينا نحن المائتين))(ضد البدع32/9 ).
لا يوجد عند أفرام المفهوم الغربي للاستحالة .أما المناولة ـ الشركة فتتم في الخبز والخمر:
((إن الجسد المكسور ها هوذا يقسم بيننا ،والكأس التي ناولها تلاميذه ها هي ذي شفاهنا تشرب منها))(دياطسرون48/2 ).وكان المؤمنون يتناولون في راحة اليد اليمنى ويشربون من الكأس ((إقبلوا القدس على راحة يدكم وتناولوا الحَياة في لسانكم))(ملحق القداس الكلداني،الموصل1901))ترتيلة2 لأفرام ص303 .((نملك الله في يدنا ،فلا يكن غضن في جسدنا))(ضد البدع47/12 )((إن السنبلة الحقيقية أعطت خبزاً سماويا غير متناه.الخبز الذي كسره البكر في البرية ،نفد وانتهى ولو كان قد كثره .وعاد فكسر خبزا جديدا لم يكن بمقدور الأجيال أن تستهلكه .الخبزات السبع التي كسرها انتهت ،كذلك الخبزات الخمس التي كان قد كثرها.
خبز واحد كسره غلب الخليقة ،لأنه بقدر ما يوزع ـ على المدعوين ـ بقدر ذلك يتضاعف .ملأ،
كذلك جرات كثيرة خمرا ،استقوا منها فنفذت الخمر ولو كان ملأها .أما الكأس التي ناولها تلاميذه،
ولو كانت بسيطة فقد كانت قدرتها بدون حد.كأس تحتوي على كل الخمور ،لكن السر الذي فيها هو نفسه ،وحيد الخبز الذي كسره بدون حد،ووحيدة الكأس التي مزجها بدون نهاية .
من يتناوله بطريقة جسدية ،بدون تمييز ،يتناوله عبثا ،وخبز الرحمان الذي يأخذه بوعي يكون دواء الحياة… الذي يأكل من قرابين قربت بأسم الشياطين ،يصبح شيطانيا بدون ريب ،والذي يتناول الخبز السماوي ،يغدو سماويا ،بدون شك ))(الميلاد 4/87 ـ 103 ).
7-حرية الإنسان والشر
يؤكد أفرام بأن الإنسان مركز الخليقة ،هو حر ،وحتى يعيش حريته ينبغي عليه أن يحارب الجهل والضلال (الفردوس15/5 ).والإنسان مسؤول في نهاية الأمر ،عن الشر في العالم: ((إن سبب الشر هو بكل وضوح،سوء استعمال الحرية .فآدم والشيطان بحريتهما ادخلا الشر من خلال الإرادة ))(ضد البدع 22/7 ).ويرفض القدر لأنه ينفي حكم الضمير والاجتهاد الخلقي وبالتالي قيمة أعمالنا وحريتنا(ضد البدع6/22 ـ23 ،11/3 ).
الإنسان قادر أن يتغلب على الشر إن شاء (الفردوس15/11 ،12/18 )وهو متفائل في قابلية الإنسان ،((إذا كانت نيتنا صافية،فالشر لا يوجد… والإنسان لا يستثمر سوى الخير الذي استلمه))(البتولية34/15 ).وينفرد أفرام بنظرته السليمة بخصوص الجسد البشري : ((لا يوجد أي شيء مضطرب ولا دنس بحد ذاته في جسد الإنسان ))(ضد البدع 19/1 ).
إننا نجد صدى لهذا المفهوم في مجمع الجاثليق سبر يشوع سنة596 ،إذ يقول صراحة((إننا نرفض ونقصي عن أي شركة معنا،كل من يعتقد ويقول أن الخطيئة موجودة في الطبيعة ،وإن الإنسان يخطأ لا إرادياً ،وكل من يقول أن الطبيعة آدم خلقت منذ البدء ،غير مائتة))(كتاب المجامع ص199 ).
وبعيد أفرام عن الثنائية اليونانية التي ترى في الجسد شرا ،((الجسد جبل بحكمة ،والنفس نفخت فيه بلطف ،من جر من إلى الخطيئة ؟إنها مشتركة لأن الحرية مشتركة ،لذا ينبغي أن يكلل الكل معا
(أي الإنسان الشامل)(ترانيم نصيبينية 69/4 ـ 5 ،44/3 ـ 4).
بإمكاننا مواصلة عرض المواضيع الأخرى التي تناولها أفرام ،ونؤلف خلاصة لاهوتية في العقائد والأخلاق المسيحية ،وبأصالتها المشرقية القريبة من الإنجيل والبعيدة عن التأثيرات الخارجية ،لكن ضيق المكان والزمان يحول دون القيام بذلك.