ما المقصود بأن الله محبة؟ وهل معنى ذلك أن الله لا يعاقب الظالم على ظلمه؟
السؤال الأول الذي أطرحه عليك يا أخي ويا أختي: ما هي المحبة التي تتحدث عنها؟ لو قلت لك إِن المحبة هي الله، والله محبة لما أضَفْتُ إلى السؤال شيئاً جديداً. ولكن دعني أسألك: ماذا يعتقد الناس في كلمة محبة؟
عندما نسمع كلمة محبة وحب، يذهب بنا الخيال الى العواطف التي تنشأ بين رجل وامرأة، ونسميها حباً. والأفضل لو أطلقنا عليها عبارة عشق لأنها ممزوجة برغبات جسدية. وهناك نوع آخر من العواطف نطلق عليها اسم »حب« كحب الأم لأولادها، والابن لأبيه، والبنت لأمها... الخ.
وقد يكون هذا أعظم من أية عاطفة أخرى.
ولا ننسى حب الصديق لصديقه، والزوج لزوجته، ... وهكذا.
إلا أن هناك حباً يسمو على كل هذه العواطف. صحيح أن الحب رغبة حارة، وعاطفة فيّاضة، إلا أن هناك عنصراً يجب ألاّ ننساه هو عنصر الإرادة. نقرأ في الانجيل المقدس أن سيدنا يسوع المسيح سأل أحد تلاميذه المسمى (بطرس)، قال له: »أتحبني؟« فأجاب التلميذ: نعم يارب أحبك. إلا أننا لو تعمّقنا في معنى هذه الكلمة بحسب ما وردت في اللغة اليونانية التي بها كتب الانجيل، لوجدنا أن المسيح يعبّر عن أكمل وأعظم صورة للمحبة، والتي تتضمن إرادة حازمة، ونيّة صادقة، وانتماء قوياً واضحاً لما أعلنه الله للبشر. أما التلميذ بطرس، فكان يقصد العاطفة والمشاعر البشرية، والأحاسيس الفياضة التي تملأ قلوب الناس.
وقد نسأل أنفسنا ونقول:
كيف يمكن أن تختلف محبة الله عن محبة البشر؟
ونجيب: إن مصدر المحبة التي تغمر قلب الانسان هو الله، سواء أكان الانسان يحب أخاه الانسان أم يحب الله، فإن هذه المحبة هي شعاع من محبة الله. يقول الوحي: المحبة هي من الله، وكل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله.
أما محبة الله فهي القمة، هي النبع، ومنها تنساب كل محبة. إن طبيعة الله محبة، لذلك يقول الانجيل المقدس: الله محبة. ولا يمكن للانسان أن يُحب لأنه فعل اسوأ ما يمكن أن يفعله كائن حيّ. ومع ذلك أحبه الله، وبذل المسيح بدلاً. لم يحبنا الله بعاطفة سامية بعيدة عنا لا نستفيد منها. بل أحبنا واقترب منا، وجاء إلينا، وبذل أغلى شيء في سبيلنا: بذل الحياة. ليس الله محباً وانتهى الأمر. الله هو الحب بالذات، ومنه يشع كل حب، كما أنه هو النور وعنه يصدر كل شعاع نور.
ولكن هل معنى ذلك أن الله لا يعاقب الظالم؟
ليس معناه أن الله لا يعاقب. إن كان الله محبة، فليس معناه أنه يترك الانسان دون أي عقاب. من صفات الله أنه قدوس وعادل، أي أنه لا يحب الشر، ويعاقب عليه. والمسيحية هي الديانة الوحيدة التي تستطيع بعقيدتها أن توفّق بين محبة الله للبشر، وعدله في توقيع العقاب. الله يحب الجميع، ولكنه يكره الخطية، وأعمال الشر، ويعاقب عليها، فلنكن حريصين على أنفسنا من العقاب.
[center]