ميداد عضو نشيط
عدد الرسائل : 591 العمر : 37 شفيعى : القديس العظيم مار جرجس الرومانى تاريخ التسجيل : 31/05/2008
| موضوع: عن محاسبة النفس الأحد يوليو 13, 2008 8:03 am | |
| بعد أن اكتسبتُ معرفة الحقيقة صرتُ مشاجراً ومهيناً. إني أجادل في التوافه, صرتُ حسوداً وقاسياً نحو قريبي, غير رحيم للمستعطين, غضوباً, مجادلاً, عنيداً, كسولاً, نزقاً. إني أكنُّ أفكاراً خبيثة, إني أحب الثياب الفاخرة. وحتى هذا اليوم لدي أفكار فاسدة كثيرة ونوبات من الأنانية والشراهة والشهوانية, والمجد الباطل, والعجرفة والشهوة, واجترار الإشاعات, وكسر الأصوام, والقنوط والمنافسة والنقمة. إني تافه, لكني مغرورٌ بنفسي. إني كاذب دائماً, لكني أغضبُ على الكاذبين. إني أدنِّس هيكل جسدي بأفكار خليعة, لكني أُدين بصرامة الخليعين. إني أدين الذين يسقطون, لكني أنا نفسي أسقط باستمرار. إني أدين المفترين واللصوص, لكني أنا نفسي لصٌّ ومفترٍ معاً. إني أسير بسيماء لامعة, ومع ذلك فإني نجس تماماً. في الكنائس ولدى الموائد أريد دائماً أن أحتلَّ مكان الكرامة. أرى الناسك فاتصرف بجلالٍ, أرى الرهبان فأصير طنَّاناً. أحاول الظهور كملاطف للنساء, ومبجلاً للغرباء, وكذكي ومنطقي لأقربائي, وكمتفوقٍ للمفكرين. الأبرار أتصرف كما لو كنت امتلك حكمة وافرة, أما غير الأذكياء فأترفع عتهم كأميين. إذا أُهنتُ فإني أنتقم, إذا كُرمتُ فإني أجتنب الذين يكرِّموني. إذا طلب أحدٌ ما مني ما هو حقٌ له, فإني أبدأ بإقامة دعوى. والذين يخبرونني بالحقيقة أعتبرهم أعداءً. وعندما يفتضح خطأي أغضب, لكني لا أمتعض هكذا عندما يتملقني الناس. لا أريد أن أكرِّم المستحقين, لكني أنا نفسي غير المستحق أطلب كرامة. لا أريد أن أُنهك نفسي بالعمل, لكن إذا فشل أحد ما في خدمتي أغضب عليه. لا أريد أن أسير بين العمال, لكن إذا فشل أحدٌ ما في مساعدتي في عملي أفتري عليه. أنكر بعجرفتي أخي حين يكون في حاجة, لكني عندما أحتاج إلى شيء ما فإني ألجأ إليه. أكره المرضى, لكن عندما أكون أنا نفسي مريضاً, أودُ أن يحبني كل أحد. لا أريد أن أعرف الذين هم أرفع مني, وأوبخ الذين هم أدنى مني. إن أحجمتُ عن الإنغماس في شهواتي الحمقاء, أمدح نفسي بمجد باطل. إن نجحت في اليقظة أسقط في شراك الغرور والتناقض. إن أحجمت عن الأكل أغرق في الكبرياء والعجرفة. إن كنت يقظاً في الصلاة فإن النزق والغضب يهزمانني. إن رأيت الفضيلة في أحدهم فإني أتجاهله عن قصد. لقد احتقرت الملذات الأرضية, لكني لا أهجر اشتهائي الباطل لها. إذا رأيتُ امرأة أنتشي. لكل المظاهر أنا حكيم بتواضع لكن في قرارة نفسي متعال. لا أبدو أني مولعٌ بالقنية, لكني في الحقيقة أعاني من الهوس بالممتلكات. وأية فائدة من التمعن في مثل هذه الأشياء؟ إني أبدو وكأني قد هجرت العالم, لكني في الحقيقة ما أزال أفكر في الأشياء الأرضية كل وقت من الأوقات. خلال الخدم أشغل نفسي دائماً بالمحادثات, والأفكار الهائمة والتذكارات الباطلة. خلال الوجبات أنغمس في ثرثرة تافهة. أتوق إلى الهدايا. أشارك في سقطات الآخرين الخاطئة وأنشغل في منافسة مهلكة. هكذا هي حياتي! فبأية خسة أحجب إذاً خلاصي! عجرفتي ومجدي الباطل لا يسمحان لي بالتفكير في قروحي التي يمكن أن أشفيها بنفسي. ها هي الموائد الفاخرة! انظر كم هي هائلة أمواج الخطايا التي يرسلها العدو لتعسكر ضدي! ومع ذلك, في مواجهة هذا كله أحاول, أنا البائس, أن أتبجح بالقداسة. إني أعيش في الخطيئة, لكني أريد أن يكرمني الآخرون كإنسان بارٍّ. في كل هذا لا أملك سوى شيء واحد أقوله في دفاعي: لقد اقتنصني الشيطان. لكن هذا لم يكف ليحل آدم من خطيئته. طبعاً لقد حض الشيطان قايين, لكنه لم يفلت من الإدانة أيضاً. ماذا أفعل إذا أتى الرب إلي؟ ليس لدي من وسيلة لأبرر إهمالي. أخشى أن أدعى بين الذين يدعوهم بولس أنية غضب, الذين سيشاركون مصير الشيطان, والذين سلّمهم الله, بسبب ازدرائهم له, إلى أهواء الهوان. هكذا يقوم خطرٌ ألا وهو أن يحكم علي بالمصير نفسه. إن كنت ستخلصني, أنا غير المستحق, أيها الرب الرحيم, فتعطف عليّ, أنا الخاطئ, بالتوبة, أحيي نفسي المماتة بالخطايا يا مانح الحياة. أخرج القساوة الصخرية التي في قلبي البائس, وامنحني ينبوع انسحاق, يا من تسكب الحياة فينا من ضلعك الخالق الحياة.
من مزامير القديس أفرام السرياني | |
|