هل الكبرياء أصل كل خطيئة

الكبرياء هي أن يحب الإنسان في ذاته ما يمتاز به عن سواه..
إن الكبرياء، بنظري، لخطيئة كبيرة، كبيرة هي لأنها أسقطت الملاك، وكبيرة هي لأنها صيّرت الملاك شيطاناً وأوصدت بوجهه إلى الأبد ملكوت السموات.
إنها لأثم فظيع، وأصل الآثام كلها، لأنه مكتوب " الكبرياء أصل كل خطيئة " (سيراخ 10: 15). ولئلا تتهاون فيها أيضاً في موضع آخر: " أول كبرياء الإنسان ارتداده عن الله" (سيراخ 10: 14 ).
الارتداد عن الله من صنع هذه الرذيلة: تسير النفس في الظلام وتسيء استخدام حريتها فترتكب خطايا أخرى وتحيا بالبذخ؛ فتبدد مالها مع الزانيات ويصبح، من كان للملائكة نديماً، راعياً للخنازير بسبب ما حل به من بؤس.

جاء الله متواضعاً بسبب تلك الرذيلة، خطيئة الكبرياء الفظيعة؛ ذاك هو السبب وتلك هي الخطيئة وذاك هو مرض التقوى الخطير الذي دفع الطبيب القوي من السماء لأن يأخذ صورة العبد ويتحمل الإهانات ويعلّق على الخشبة ويشفي بدوائه الناجع ذاك الورم..
لا تنخدع بما تأتيه الكبرياء من أعمال عظيمة.. صمم، في قلبك، على أن تعمل مثلها، إنما بمحبة..
المحبة تُطعم الجائع والكبرياء أيضاً؛ لكن المحبة تقوم بذلك تمجيداً لله.. والكبرياء تمجيداً لذاتها..
المحبة تكسو العريان والكبرياء أيضاً.. المحبة تصوم والكبرياء أيضاً وكلتاهما تقومان بدفن الموتى..
المحبة تعمل جميع الأعمال الصالحة التي تريدها.. والكبرياء تقاومها وكأنها تقود خيلها..
بيد أن المحبة باطنية: إنها تحذف مكان الكبرياء التي قد تكون لها أعمال خارجية جيدة ولكن بدافع شرير..

الويل لك إن اتخذت من الكبرياء حوذياً لعربتك إذ ذاك يتحتم عليك أن تسقط منها رأساً على عقب..
وكيف لك أن تعرف إن كانت الكبرياء هي التي تدفعك إلى الأعمال الصالحة.؟
من يرى ؟ وأين ؟ تفحص أعمالك..
الرحمة تُطعم والكبرياء أيضاً.. الرحمة تستقبل الغرباء والكبرياء أيضاً.. الرحمة ترأف بالمسكين والكبرياء أيضاً..
المحبة تموت أي إن الإنسان الحاصل على المحبة، يعترف باسم المسيح، ويذهب إلى الاستشهاد.. والكبرياء تعترف أيضاً وتقود إلى الاستشهاد .. هذا فيه محبة وذاك كلا..

ولكن فليسمع من ليست فيه محبة كلام الرسول بولس: إن وزعت مالي على الفقراء وسلمت جسدي ليُحرق ولم تكن فيّ المحبة فلا شيء ينفعني من ذاك كله .. (1 كور 13 : 2 ).. يصدّك الكتاب الإلهي عن إظهار هذا الوجه للخارج.. وعن هذا المجال الذي يُعرض فيه أمام الناس يردك إلى الداخل..
عُد إلى ضميرك وسله .. ولا تنظر إلى ما يزهو في الخارج بل انظر إلى الجذع الذي في الأرض.
(...)
جرح المحبة مقبول أكثر من صدقة المتكبر..
(...)
إنك تتصدق على بائسين جائعين.. أحدهما جائع إلى الخبز والآخر إلى البر..
وبين هذين البائسين أنت هو الصانع الصالح: إن أحببت الواحد أحببتهما معاً ومددت يد المساعدة إلى كل منهما .. أما الآخر فإنه يبحث عما يقتدي به .. لذلك قال يسوع : ليروا أعمالكم ويمجدوا أبيكم الذي في السموات "..

فإن صنعت عجائب وأطعمت المحتاجين ... الخ ، فلا تفرح بذلك، بل افرح لأن اسمك مكتوب في السماء..
إذا كنت قد أخذت نعمة القيام بذلك، فاستعملها بتواضع،بعيداً عن كل كبرياء، إذ إن الرب قد قال عن بعض الأنبياء الكذبة أنهم سوف يعملون آيات وعجائب...

( من كتاب خواطر فيلسوف في الحياة الروحية للقديس أغوسطينوس

موضوع جميل جدا