ميداد عضو نشيط
عدد الرسائل : 591 العمر : 37 شفيعى : القديس العظيم مار جرجس الرومانى تاريخ التسجيل : 31/05/2008
| موضوع: من مواقف القديس يوحنا الذهـبي الفم الثلاثاء يوليو 15, 2008 12:47 pm | |
| القديس يوحنا الذهبي الفم بطريرك القسطنطينية مواقفه جبارة, إدارته جيدة , وإيمانه المتين جسده بأعماله الفاضلة والمواعظ المؤثرة البليغة تعلق بالكتاب المقدس وأسهب في شرحه , كتب عن الكهنوت وعظمته , عن سر الزواج وأهميته بأسلوبه الجميل وعباراته القوية .
حياته في كلمات : ولد يوحنا في إنطاكية وترعرع فيها 0 عاش يتيم الوالد فربته والدته الشابة الغنية على التقوى والإيمان ، حصل على العلم والمعرفة على أيدي مشاهير عصره رسم كاهناً واعظاً بدرجة جيد جداً . ثم رسم مطراناً عام ( 386) م وانتخب بطريركاً على القسطنطينية سنة 398 م .وبسبب مواقفه المسيحية الحقة تكاتف أعداؤه من فرط خوفهم وكراهيتهم له , فنفوه سنة 404 إلى أرمينا حيث توفي في الطريق من المعاملة القاسية له ,وذلك عام 307 . دفن في المكان الذي مات فيه ولكن بعد ( 30) سنة طالب الشعب في القسطنطينية برفاته فأحضر جثمانه الطاهر إليها باحتفال كبير سنة 438 . وفي سنة 1204 م نهب الصليبيون مدينة القسطنطينية وحملوا رفات القديس إلى روما . بقيت رفاته سرا في روما حتى أواخر 2004 حيث نقلت ثانية من روما إلى القسطنطينية باحتفال مهيب .
من كلماته : "لا نقاتل لنجلب الموت للأحياء بل لنعيد الأموات إلى الحياة، وفي صراعنا يجب أن نكون ودعاء ومتواضعين. أنا لا أضايق بالأعمال إنما بالكلمات , وأنا لا أريد طرد الهراطقة بل الهرطقة ... أنا معتاد على تحمل الظلم لا على أن أظلم , ومعتاد على تحمل الاضطهاد لا على أن أضطهد .المسيح انتصر لكونه مصلوبا لا صالبا للآخرين". " المجد لله على كل شيء , لكل ما هو جيد وصالح ولكل ما هو سيء , المجد لله " . " إننا نهتم بممتلكاتنا من اجل أبنائنا , أما أبناؤنا أنفسهم فلا نبالي بهم قط ! أية سخافة هي هذه ! ؟ شكل نفس ابنك باستقامة , فينال كل ما تبقى بعد ذلك , فإنه متى كان بلا صلاح لا ينتفع شيئاً من الغنى , أما متى كان صالحاً فإنه لا يصيبه ضرراً من الفقر ". وصية للزوج : إن رأيتها تزدري بك و تأنف منك و تحتقرك , فبتفكيرك العظيم تجاهها و مودتك و لطفك تقدر أن تخضعها لك , فإنه ليس شيء أعظم قوة في الاستمالة أكثر من هذه الرباط , خاصة من الزوج والزوجة ... نعم , فإنه بالرغم مما تعانيه من بعض الأمور من ناحيتها لا تعنفها , لأن المسيح لم يفعل ذلك .
مواقفه المسيحية الحقة : كانت أنطاكية مدينة المدنية الإغريقية, ومركزاً للثقافة العالية, وكان أهلها يتمتعون بالرخاء والغنى, وكان فيها الكثير من الأندية والمسارح والملاهي, فأخذ يوحنا الذهبي الفم يقاوم شرور عصره,ويعظ ويعلم ويرشد,منددا بالخلاعة والفجور, داعيا إلى حياة القداسة,والابتعاد عن اللذات. ونما في الفضيلة والمعرفة وخص الفقراء بعنايته الكبرى . وجه أموال الأوقاف وجهتها الصحيحة, إذ أفرغ الكنائس ودار البطريركية من كل غال وثمين ووزعها على الفقراء . فأنشئت الملاجئ والمياتم ودور الفقراء والأيتام,دورالأرامل والعذارى الراغبات في العفة مع الحياة المشترك . كما اهتم البطريرك يوحنا بإرسال البعثات الرسولية التبشيرية إلى لبنان وسورية وإلى روسيا.... في أحد الأيام بينما كانت سيدة تستمع إلى موعظة يوحنا صرخت:" أيها الأب الروحي , سأدعوك الذهبي الفم , فبئر تعليمك عميق , إلا أن حبل أفكارنا قصير فلا يستطيع الوصول إلى عمقه ".وبعد هذه الحادثة بدأ الذهبي الفم يختار كلمات بسيطة ليفهمه الجميع .
كان هدفه جعل المسيحيين يفهمون أن حقائق الإيمان هي نفسها حقائق ووصايا الحياة, وبأنها يجب أن توضع في الممارسة اليومية للشخص. كان يطلب من مستمعيه أن يعيشوا وفق إيمانهم وبحسب وصايا الإنجيل. كانت امرأة تشتكي من مرض في الدم , طلبت من زوجها أن يأخذها إلى الذهبي الفم , فأخذها إليه على ظهر أتان, فلما وصلا دخل الزوج إلى يوحنا وأخبره بمرض زوجته , فقال له يوحنا : أخبر زوجتك أن تتوقف عن أذية خادمتها وتعاملها بلطف لأننا جميعا من طين واحد , ولتصلي إلى الله دائما. وكذلك أنت لا تنسى الصوم والصلاة, والله سيشفيها. وما أن أخبر زوجته بكل ما قاله يوحنا حتى أقسمت بأن تفعل كل ما طلب منها إلى آخر عمرها. فعاد إلى الذهبي الفم وأخبره بكل ما وعدت به زوجته, فقال له: "اذهب بسلام ". عاد إلى زوجته فوجدها معافاة .
لم يعرف الذهبي الفم مجاملة أحد , بل تمتع بجرأة فائقة مما جعله ينتقد رجال الدين المتملقين للسلطة , كما أنه لم يقدم لهم الموائد الفخمة التي كانت تفتح بالمأكولات الغالية حتى أيام الصوم بل منعهم من ممارسة مثل تلك الأمور . وانتقد الأغنياء ورفاهيتهم وشبههم بالذئاب وقال : "خلق الله العالم للجميع للنساء والرجال , وكل من يأخذ شيئا أو أرضاً ويقول هذا لي أو هذا الأرض ملكي , فهو مجرم خطير" . انتقد الإمبراطور والإمبراطورة انتقد بذخهم وظلمهم, واغتصابهم أموال الناس . فأبغضه الأغنياء لتبكيته لهم على قساوة قلوبهم ,وأبغضه بعض رجال الدين والأرستقراطيين لعدم مجاملتهم ومجاملة السلطة , وأبغضته السلطة لعدم تملقه .وهذا ما أدى إلى عزله ونفيه مرتين .إلا أنه مُدح ومجد بعد موته - حتى من قبل أعدائه - كما يحدث غالباً : يهمل ويضطهد الإنسان أثناء حياته وبعد الموت يمجد .
المرأة ويوحنا الذهبي الفم : اهتم القديس يوحنا بالرعية كاملة دون أن يميز بين الفقير والغني, بين الرجل والمرأة, فكان راعيا عادلاً , منصفا كل ذي حق ومقرظاً الظالمين والمتملقين . من يقرأ تفاسيره اليوم يشعر لأول وهلة أن القديس يوحنا يضع المرأة في الدرجة الثانية , فقد كتب وهو يشرح موقف مريم المجدلية في القيامة : " ولأن تفكيرها لم يرتفع إلى الحد الذي فيه تدرك حدوث القيامة من مجرد رؤية المنديل الملفوف ....", " إنه من المعقول والمنطقي أن يقود مثل هذه المرأة ذات التفكير البسيط الضحل إلى الأفكار السامية ........" ولكن ما أن يتعمق الإنسان في ما فعله أو كتبه يوحنا الذهبي الفم حتى يتأكد أنه كرََّم المرأة وأعطاها حقها في المديح وذمها عند الضرورة .
1 . أنثوسا كان سكوندوس والد يوحنا قائدا في الجيش الروماني,ولما مات كان يوحنا في المهد صغيرا,فترملت (أنثوسا) أمه في ريعان الشباب ولم تتجاوز العشرين . فحام من حولها الشباب وخاصة أنها كانت جميلة للغاية وغنية , إلا أنها لم تتطلع إلى الزواج , بل وجدت هدفا عزيزاً آخر أوقفت له وعليه حياتها مع عبادتها المتواصلة.هذا الهدف هو تربية ابنها يوحنا التربية المسيحية المثالية. فلم تهمله, بل عاشت معه ومن أجله, ربته ولازمته وأعطته كل حبها ووقتها وجهدها, وأولته كل رعايتها . كان لها الفضل الأكبر في تنشئته في مخافة الله وتقواه . فتأصلت فيه تعاليم أمه (أنثوسا) ، واعتزم على أن يتبتل منقطعا لخدمة الله في أحد الأديار، ومع ابتهاجها بتقواه ومسيرته في طريق الكمال المسيحي، آلَمَها أن يتركها وحيدة، وهي التي بذلت في سبيله حياتها، فأخذت تبكي متضرعة إليه أن يرجئ أمر رهبنته حتى تنتقل إلى العالم الآخر، فبكى لبكائها، واقتنع بكلامها، وعدل مؤقتا عن مفارقتها، وبقي معها في البيت عابدًا، لا يخرج إلاّ لعمله ثم يعود إلى السهر والصوم والصلوات. فلما توفيت (أنثوسا) أمه, رأى يوحنا أن يغادر العالم نهائيا إلى حياة النسك والوحدة, فاعتزل في دير (كاسوس) القريب من أنطاكية . كانت (أنثوسا) أماً وامرأة رائعة , ولكن لم تكن لها شهرة ولدها القديس إلا أن فضلها على الأجيال لا ينسى , لأنها هي التي ربته وأنشأته, وهي التي قدمته لله وللكنيسة وللعالم خير رجل فاضل . كان يمكنها أن تتزوج برجل يؤنس وحدتها ككل امرأة, ولكنها رأت أن مثل هذا الزواج سيحتل في قلبها وفكرها مكانا يحتاجه ولدها, فآثرت أن تضحي براحتها وسعادتها لئلا تنقص سعادة ولدها وراحته , وهو بالتالي كرََّمها ولم يتركها إلا بعد أن انتقلت إلى الحياة الأخرى .
2 . أوليمبيا : كانت أقرب صديقة للقديس, إذ كانت شريكته في العمل والكرازة. اكتسبت سمعة طيبة من فرط كرمها بعد وفاة زوجها وهي بعد في ريعان الشباب . وزعت أملاكها على الفقراء والمعوزين, كما أنها أسست مشفى , وقامت بضيافة رجال الدين زائري مدينة القسطنطينية . يقول المؤرخ سوزمين : أن البطريرك نكتاريوس رسمها شماسة وهي لم تتجاوز الثلاثين من عمرها ,خلافا للنظام الكنسي :"يجب أن تكون الشماسة في الستين". كما جعلها مسؤولة عن الشماسات في كنيسة أيا صوفيا في القسطنطينية .وبعد أن خلفه البطريرك يوحنا الذهبي الفم وجدها أهلاً ليتشاور معها في كثير من الأمور حتى في القضايا الكنسية . وقد نشأت علاقة صداقة وطيدة بينهما بعد أن أعجب بطريقة تعاملها مع الراهبات ونشاطها الدائم . وبتوجيهاته أصبحت أكثر فطنة وتبصرا في سلوكها . كانت سخية إلى حد بعيد , بسيطة في خدماتها وعطاءاتها للعلمانيين والكهنة . كان قداسة البطريرك يدافع عنها ويفضلها على كثير من الكهنة الذين كانوا يتحدونها في أداء خدمتها . وقد قال عنها : "لا تقولوا عنها امرأة بل مخلوق يشبه الرجال, لأنها رجل في كل شيء ما عدا الجسم .هي كالرجال في أعمالها بعلمها وشجاعتها . تعمل في الرب كما عملت برسيس المحبوبة لدى بولس الرسول"[التي تعبت كثيراً في الرب ( روم 16 : 12 ) ] لا بد أن ننوه هنا بأن هذا الوصف الغريب لعصرنا( تشبه الرجال) كان شائعا في القرون الأولى للمسيحية. لقد وجد البطريرك في أوليمبيا نظيره فاتخذها لا خادمة بل صديقة له , فقد كانت مثله متحمسة لتبشير النساء الأمميات , متحمسة لتعليم السيدات في جماعتها وفي ممارسة الأعمال الخيرية . برعايتها الدير ازداد عدد الراهبات, وكانت لهن الأم الروحية المحبة . وبتقدم الدير وزيادة العدد احتاجت إلى شماسات تخدمن الدير معها فوافق قداسته ورسم ثلاثة من السيدات شماسات لكنيسة أيا صوفيا . نعم لقد كانت أوليمبيا نعم الصديقة والتلميذة ليوحنا الذهبي الفم , بقيت وفية له حتى أثناء النفي فكانت تساعد ه في فدية أصدقائه الأسرى . كتب يوحنا الذهبي الفم سبعة رسائل للعفيفة أوليمبيا يعزيها عن نفسه وهو في المنفى , وكان في كل مرة يبدأ رسالته : " سيدتي العزيزة , الشماسة المحبوبة من قبل الله , أوليمبيا , أنا يوحنا الأسقف أحييك باسم المسيح" . كتب في إحدى رسائله : "إن قلبي يذوق فرحا لا يوصف في الشدائد، لأنه يجد فيها كنزا خفيا . فيجدر بك أن تفرحي معي، وتباركي الرب، لأنه منحني نعمة التألم من أجله". أما قبيل النفي فقد ودع يوحنا كهنته ثم ودعها مع بقية الشماسات وبعض الراهبات وأوصاها بأن تحترم البطريرك خلفه , إلا أنها خالفت رغبته ونصيحته لحبها الشديد للحق, فقاومت ورفضت التعامل مع خلفه غير الشرعي وكل من انضم إليه بعد إبعاده ونفيه . ونتيجة لهذه المعارضة مورس العنف ضدها , واتهمت بأنها تسند البطريرك المنفي , ف شُوهت سمعتها وبيع جميع أملاكها في المزاد العلني ,و نفيت مع جميع أفراد جماعتها في الدير من قبل السلطة الدينية والمدنية. ومثل القديس يوحنا وافتها المنية في المنفى ازمير عام 407 بعد أن عانت الكثير من سوء المعاملة والمرض وأعلن قداستها عام 440 .
3 . الملكة أفدوكسيا كانت الملكة أفدوكسيا امرأة خبيثة باغية ومسيطرة ,وكان أركاديوس زوجها ملكا شريرا وضعيفا, يتخاذل أمامها, تاركاً لها القيادة, فصارت هي الحاكمة بالفعل, وإرادتها هي النافذة. ومع حرص يوحنا الشديد على رعاية شعبه والاهتمام بكل فرد , وتلبية كل استغاثة من كل مظلوم ,كان عليه , وهو البطريرك ,أن يختار بين أمرين, إما أن يكون أباً وراعياًً للشعب, ومحاميا عن اليتيم والأرملة والفقير,أو أن يكون إلى جانب الملك والملكة, يتردد على القصر الإمبراطوري, وبهذا يكون محط تبجيل الوزراء والحاشية والجند وأغنياء الشعب,ثم تمتصه الشكليات والرسميات والحفلات, ويشغل وقته في شئون المملكة, وقد يجد نفسه دون أن يشعر, مدافعا عن تصرفات الملك والمملكة, مهما كان بعدها عن الحق والعدل. ولما كان الذهبي الفم رجل الله, وخادم المسيح الحقيقي ,وكان يفهم مهمته البطريركية جيدا,ولم ينحرف عن هذا الفهم متمثلا بالقديس يوحنا المعمدان ظل طوال حياته أمينا لرسالته حريصا على أن يختار الاختيار الصعب : أن يكون كسيده المسيح إلى جانب الفقير واليتيم والمظلوم و يقف ضد الملك والإمبراطورة الظالمة المستبدة, وكل أجهزة المملكة وسطوتها وقدرتها الساحقة , وقد كلفه ذلك ثمناًً باهظاً. في أحد الأيام جاءت إليه أرملة فقيرة من أسرة أحد كتاب البلاط الإمبراطوري تشكو اعتداء الإمبراطورة (أفدوكسيا) على كرْمٍ يخصها وضمه إلى أملاكها الخاصة .فماذا تراه يصنع البطريرك؟ لقد كتب إلى الملكة, لا مرة بل مرات كثيرة, يسترحمها ويرجوها أن ترد الكرم لصاحبته الأرملة,فرفضت ولم تستجب لنداء البطريرك القديس. قال لها البطريرك أخيرا: إني أعلم يا سيدتي, أنك أنت القانون الحي, لأن السلطة الملكية هي بين يديك و تبيح لك كل شيء, ولكن هناك سلطان الضمير الذي يجعلك تميزين بين الحق والباطل . فأتضرع إليك أن تعيدي الكرم إلى صاحبته . فما كان من الإمبراطورة الباغية إلا أن أنكرت على البطريرك القديس حقه في التدخل في تلك المسألة وغضبت عليه , وأمرت ألا يسمح له بالدخول إلى القصر الملكي. وهكذا استمرت الملكة على اغتصاب كرم الأرملة.
في يوم عيد (ارتفاع الصليب) خدم البطريرك القداس ,وأقبل الملك (أركاديوس) إلى الكنيسة تحيط به حاشيته, ولم تحضر معه الملكة .ويبدو أنها تخلفت قصدا لتلفت إليها الأنظار وإلى مكانتها في المملكة .فرأى البطريرك أن امرأة مغتصبة حق الأرملة يجب أن يردعها بقانون كنسي, فيصدر ضدها قرارا بمنعها من دخول الكنيسة إلى أن تعدل عن خطيئتها وتعلن توبتها, وإلا زالت قيمة الفضيلة, واحتج الفقراء بأن تعاليم الدين هي للفقراء دون الأغنياء , وأن الكنيسة تحابي أصحاب السلطة, وتتشدد في تعليمها على الضعفاء,وتهادن الأغنياء وأصحاب الجاه . فأمر الشمامسة بإغلاق باب الكنيسة . هذا الأمر كان شائعا - حسب قانون الكنيسة - في القرون الأولى ,فإذا انتهى قداس الموعوظين بعد قراءة الإنجيل وتفسيره , كان شماس الهيكل ( الشماس الإنجيلي) ينادي الشمامسة الأفدياقونيين أن يغلقوا الأبواب بعد خروج من لا يحق لهم حضور قداس المؤمنيين , إذ كان ينادى:" الأبواب , الأبواب . أنصتوا بحكمة الله" . فعندما وجدت الملكة أبواب الكنيسة مغلقة غضبت غضباً شديداً وأمرت بفتح الباب عنوة .فما أن تقدم أحد الحراس ليكسر الباب ببلطته حتى شلت يده بقوة إلهية ويبست فوراً, فارتعبت الملكة وعادت أدراجها , وقلبها يقطر حقدا وغيظاً على البطريرك . وهذه الحادثة أدت إلى عقد مجمع في إحدى ضواحي القسطنطينية مجمع من ستة وثلاثين أسقفاً ممن كانوا يوالون الإمبراطورة ويكرهون البطريرك , فأصدروا بإيعاز من الملك والملكة قراراً بعزل البطريرك ونفيه . إلا أنه لم يبق في النفي كثيرا فأعيد إلى القسطنطينية .
وبعد فترة وجيزة كان قد أقيم للملكة (أفدوكسيا) تماثيل في بعض ساحات القسطنطينية وميادينها ,وأخذ عامة الشعب والسوقة يهللون لها ويرقصون أمام تلك التماثيل بصورة مخلة بالأدب والدين . كما أقيم لها تمثالا فضيا على عمود من الرخام مقابل كنيسة الحكمة المقدسة( ايا صوفيا ) . هذا الأمر أثار يوحنا الذي قال في عيد استشهاد القديس يوحنا المعمدان: "ها هي هيروديا ترقص من جديد وتسخط من جديد، ومن جديد تطلب رأس يوحنا. أنا عارف أنه فور انتهائي من هذه الموعظة ستطلب سالوما (افدوكسيا) رأس يوحنا، أما أنا فالموت لا أخافه". ونقل المداهنون إلى الملكة ما قاله الذهبي الفم بما فهمت منه : أن البطريرك يوحنا يحقرها ويشتمها ويحط من قدرها وهي ملكة البلاد, فاستشاطت غضبا لكرامتها, وطالبت بنفي يوحنا .فاستجاب الملك لرغبتها وأصدر القرار وكان ذلك في الصوم الكبير لسنة 404م . وفي طريقه إلى المنفى ذاق البطريرك الأمرين تنفيذا لتعليمات الملكة (أفدوكسيا),من قبل الجنود الحراس وبعض الأساقفة الموالين للسلطة . وعندما وصل إلى مشارف قرية كوماني في بلاد أرمينيا أسلم الروح ناطقا بآخر كلماته : "المجد لله على كل شيء". وكان ذلك في عام 407 للميلاد في عيد الصليب 14 أيلول وكان قد بلغ الستين من عمره .
وهكذا انطفأ نور من أضواء الكنيسة , سكت لسان الذهبي الفم , انتهى معاناة ونضال البطريرك التقي الورع وانتهى دوره في هذه الحياة الفانية دون أن يحيد عن طريق الحق .
| |
|