المتنيح القمص بولس إبراهيم الحديدى
كلمة نيافة الحبر الجليل
الأنبـــــا بيشـــــــــوي
مطران ايبارشية دمياط
التي ألقاها في صلاة جناز القمص بولس الحديدي
بسم الاب والابن والروح القدس اله واحد امين
تحل علينا نعمته وبركته الان وكل اوان والى دهر الدهور كلها امين
لقد خسرنا وجود الاب المبارك القمص بولس ابراهيم الحديدي في وسطنا ، ولكننا كسبناه أمام منبر السيد المسيح في احضان القديسين . يصلي من اجل كل من عرفه هنا على الارض . وقد اوصيته كثيرا في لقاءتنا الاخيرة ان يصلي من اجل الخدمة والكنيسة ومن اجل السلام الكامل واوصيته كثيرا من اجلي ومن اجل المسؤلية التي نتحملها والمتاعب التي نلاقيها .
كان من الصعب ان ينتقل القمص بولس ...... فجأة لان انتقاله المفاجئ لم يكن ليحتمله احد لكنه انتقل تدريجيا مثل السلم الذي راه يعقوب في رؤياه منصوب على الأرض ورأسه يمس السماء والملائكة صاعدة ونازلة عليه قال عنه يعقوب اب الاباء (ما أرهب هذا المكان .... إن الرب في هذا المكان وانا لاأعلم ما هذا إلا بيت الله ... وهذا باب السماء )
وفد انتقل القمص بولس هذا الاب المحبوب جدا بالتدريج وانسحب في هدوء ، وبدا اولاده لايتمكنون من رؤيته وكان لايزال راقدا في فراشه ، ولكنه جاهد بكل قوته وكان ينزل لصلوات القداس وهو في منتهى الالم . صلى قداس عيد الغطاس بجهد جهيد ، وبمنتهى الصعوبة ولم يفارق المذبح إطلاقاً ، إلابعد أن كان غير قادرعلى الوقوف
كان أباً ومرشدا لكثيرين وقلبا كبيرا يلجا اليه كثير من المتعبين مثل ما قال السيد المسيح ( تعالوا الىً يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا اريحكم ) كان ملجا للفقراء لا يرد احد منهم ، كان ملجا لمنكسري القلوب
وقد قصده الكثيرون ليتخذوه ابا للإعتراف ليس في دمياط فقط بل في بلاد كثيرة ، وبلاد قريبة وبلاد بعيدة . واختاره نيافة الحبر الجليل الأنبا تادرس أسقف بورسعيد وتوابعها ابا لاعتراف جماعة المكرسات ببورسعيد الى جوار خدمته هنا في دمياط
وقد سيم كاهنا بيد المتنيح مثلث الرحمات الأنبا اندراوس في التاسع عشر من شهر يوليو عام الف وتسعمائة وواحد وسبعون ميلادية ومرت اعوام كثيرة ثلاثة وثلاثين عام وقاربت على أربعة وثلاثين .
وحينما رأيت المرض يزحف الى جسده المبارك رايت ان نقيم احتفالا بعيد سيامته الثالث والثلاثين لتكريمه قبل ان يرقد ولا يعد قادرا على تقبل التهنئة ومشاعر الحب والتكريم وحضر الاحتفال ، وفرح شعب دمياط به ولكنه كان حفل الوداع ودعناه حيا كما نودعه الان راقدا وبعد ان انطلقت روحه بسلام إلى احضان القديسين ومن الصعب ان نتخيل الكنسية في دمياط بدون القمص بولس ، ومن الصعب ان لا يراه الناس على مذبحها وهو يصلي ولكنه الان ارتاح من متاعب الجسد وانتقل الى الراحة حيث يصلي مع القديسين والابرار وكما قال معلمنا بولس الرسول ( لى اشتهاء ان انطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدا )
لقد حمل معه كل الاعترافات التي استمع اليها ليضعها امام الله يضعها في جراحات المسيح وحمل معه كل طلبات اولاده لكي يضعها امام منبر السيد المسيح ويصلي من اجلها بل يتيقن كل من قدموا له اعترافا او طلبا من اجل الصلاة ان اعترافاتهم وصلواتهم قد وصلت الان الى الفردوس ،فلم تعد فقط اسمائهم مكتوبة في سفر الحياة كما قال السيد المسيح ولكن صارت سيرتهم وافكارهم ومشاعرهم واشتياقات قلوبهم هناك مع القمص بولس الذي كان امينا في خدمته وامينا في ابوته
كان فخرا للكهنوت وصار قدوة لكل كاهن ولكل من يحمل مسؤلية الرعاية وكان معلما في صمته وفي كلامه بل كان يعلم في صمته اكثر من كلامه وكان ملهما من الروح القدس وكنت اثق في رؤيته وفي ارائه الروحية وكثيرا ما كنت احاول ان اسمع صوت الله من خلاله لانه مكتوب ( الله قائم في وسط الالهة وفي وسط الالهة يقضي ) ويقصد بهذا ما قال الم اقل انكم الهة وبني العلي تدعون ولكنكم كمثل البشر تموتون ، ويقصد بالالهة ليست الالهة التي تعبد لكن كما ما قال لموسى النبي ( انا جعلتك الها لفرعون ) الالهة الذين هم اصحاب السلطة و اصحاب القرار
ولما اجتمع الاباء الرسل في اورشليم المجمع الاول واصدر قرار جماعي ، قالوا قد راى الروح القدس و نحن بينما كان يوجد خلاف شديد على مسالة الختان قبل انعقاد هذا المجمع
و كذلك أقول لكم كان مذياع الروح القدس وكان صوتا تستطبع أن تعرف من خلاله مشيئة الله
كانت له امنيتان في حياته وانا حاولت ان احققهم له قبل انطلاقه من هذا العالم
+ الامنية الاولى :-
أن اصلي معه عشية يوم السبت في كنيسة السيدة العذراء ، ولما وجدت ان المرض يتقدم به جئت مخصوص يوم سبت علشان احقق له الامنية دي وصليت معاه العشية .
+ الامنية الثانية :-
انا كنت في حيرة من جهتها وكان الشعب في دمياط يطالب بسيامة الشماس مينا كاهنا قبل ان ياتي موعد الصلاة في كنيستي راس البر مع بداية الصيف وقبل انتقال القمص بولس من العالم .
ولكني كنت في حيرة ماذا سيكون وقع الخبر عليه شخصيا وقبل سفري بقليل . اتصل بي تلفونيا وقال لي وهو يتكلم بصعوبة ( امنية حياتي ياريتك تحققها انك ترسم ابنك مينا قسيس في دمياط ) وانا كنت أتمنى ان يقول لي هذه الكلمة .
لان الكل بيطالب برسامته وانا مش عارف اعمل ايه ووعدته ان تكون الرسامة بعد بكرة و لما لم أتمكن من ذلك وقتها حددت ميعاد آخر هو يوم 25 /3 مارس
ولكن عاد الشعب وقال لي نريد ان تبكر وتسرع لئلا ينتقل قبل ان تتم امنيته الغالية
وقطعت زيارتي في الصعيد مخصوص وجيت يوم الجمعة اللى قبل اللى فاتت وهي 11 /3 وتم سيامة الشماس مينا القمص بولس ابراهيم الحديدي كاهنا بكنيسة السيدة العذراء والقديس سيدهم بشاي بدمياط كانت الناس بتزغرط وتعيط في نفس الوقت كانوا في منتهى الفرحة وامتلاءت الكنيسة على اتساعها في مثل هذا اليوم والفراشة في الخارج ولاول مرة كنيسة السيدة العذراء بدمياط تمتلئ بالصورة دي حتى في عيد القديس سيدهم بشاي بيبقى في كذا قداس والرحلات تيجي وتمشي وتملى وتفضي فمتتملاش بالصورة دي جوه وبره والفراشة الخارجية والفراندة زي المناسبتين دول وما افتكرش ان كنيسة العذراء بدمياط وجد فيها هذا العدد الكبير من الكهنة في وقت واحد ولا في الاعياد ولاالمناسبات 48 اب كاهن مع نيافة الحبر الجليل الانبا داود وضعفي .
يقال عن هابيل الصديق انه بالايمان قدم ذبيحة افضل من قايين الذي به وان مات يتكلم بعد كان القمص بولس قليل الكلام ويتكلم بعد تفكير عميق ولكنه كان يجيد اللغة العربية جدا اعرابا وتشكيلا وكان صوته عميقا جدا وروحانيا مؤثرا . فاتفقنا معا ان يقوم بتسجيل الاسفار المقدسة بصوته المعزي بدون لحن يعني ونظرا لانه ساكن في حي شعبي بجوار كنيسة مارجرجس بدمياط ونظرا لوجود مخازن الخشب وما اليها وغيره فالضوضاء كبيرة في هذه المنطقة فكان يصحى قبل الفجر علشان يسجل الاسفار المقدسة بصوته يضبطها ويراجعها ثاني لو حصل فيها أي شئ . وسلمني كل الشرايط اللي سجلها قبل النياحة
اسفار موسى الخمسة التوراه واسفار القضاة وراعوث وبعد كدة كثير من الاسفار المتتالية الى المزمور 9 وان شاء الله في تذكار الاربعين نوزع عليكم هذا القرص عليه كل القراءات بصوته ، يبقى صوته موجود في كل بيت ، فيه ناس تجد صعوبة في القراءة ، تستطيع ان تسمع كلمات الكتاب المقدس بيقول وان مات يتكلم بعد الجسد فقط هو الذي مات
كما نقول لا يكون موت لعبيدك بل هو انتقال . ترك لنا ذخيرة و تذكار مع صوته و ابنه الوحيد القس مينا .. عنده بنت طبعاً لكن اقصد ابنه الوحيد ( ليس له اخوات صبيان ) و سوف نصلي الى الله ان تكون خدمة الأب المبارك القس مينا امتداداً مباركاً لخدمة القمص بولس .. زي ما قلت ليكم يوم رسامته إنه في عمله في الشركة الفنلندية وقع من السقالة و هو بيقع قال يا رب حياتي بقت ملك ليك أنا اوهب حياتي في خدمتك .. الكلام ده حصل من بضعة اسابيع و كأن ربنا كان يجهز لحدث الرسامة .
بعد رسامة الفس مينا - ذهبنا لزيارة القمص بولس كان لسة متيقظ قبل الدخول في الغيبوبة قلت له كثير علشان يصلي زي ما قلت ليكم و قلت له كثير من الأمور لكي يصلي من أجلها و لكن العبارة اللي رددها كثيراً في آخر زيارة و آخر لقاء يوم رسامة القس مينا .. (ربنا يديمك علينا )و انا في بالي اقول يديمنا عليكم .. هيديمنا على مين ؟ دا هو هينتقل خلاص .. و كان يقصد على ابنه اللي هو بيسلمه و على أمل أن يكون بيد أمينة ترعاه و تتولى قيادته و لو إلى زمان قليل ..
في يوم رسامة القس مينا أنا اتكلمت أنه مش معنى إن احنا نصلي من أجل أحد ابنائنا المرضى إذا انتقل يبقى ربنا لم يسمع الصلاة و أنا عارف ان فيه بعض الناس يستغربوا من كلامي كان لازم ان الناس تفهم ان احنا نخضع لمشيئة ربنا و لازم يفهموا ان احنا لما بنقول في القداس من جيل الى جيل و الى دهر الدهور كلها آمين و هكذا تتعاقب الأجيال .
جاء القس مينا من الدير لكي يودع والده المبارك و لكي يأخذ بركته كما أخذ اسحق بركة ابينا ابراهيم و أخذ يعقوب بركة اب الآباء اسحق و نصلي ان تلازمه هذه البركة بمشيئة الرب .
نطلب نياحاً لنفسه البارة بصلوات صاحب القداسة البابا شنودة الثالث . الذي تركت له صورة سيامة القس مينا و خبر انتقال والده المحبوب القمص بولس ابراهيم الحديدي ربما الخبرين يطلعوا في عدد واحد من مجلة الكرازة .
نشكر صاحب النيافة الحبر الجليل الأنبا داود اسقف المنصورة و توابعها الذي يحب القمص بولس جداً و جاء خصيصاً