انه في اليوم الأخير لعالمنا هذا سيكون هناك أربع فئات من البشر:
1- الذين لا يعبرون إلى دينونة...... ويخلصون....
2- الذين يُدانون..... ولكنهم يخلصون....
3- الذين يُدانون..... ويذهبون إلى الهلاك الأبدي........
4- الذين لا يُدانون....... ويهلكون..........
الفئة الأولى
لنتأمل في قول بولس الرسول: "Rom:8:1:اذا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح."
في الكتاب المقدس شواهد كثيرة تدل على يوم الدينونة الرهيب الذي أعدّه الله (أولاً) للشيطان وأتباعه و (ثانياً) للإنسان بعد سقوطه في الخطيئة. ولو أن أبوينا الأولين لم يكسرا وصية الله، لكانا - وكنا معهما - نتمتّع بتلك الحالة من السعادة (حيث لا موت ولا ألم ولا تعب ولا حزن....) حتى موعد دخولنا راحة الله الأبدية.وتلك الراحة (الحياة الأبدية) تنتظرها كل الخليقة - ليس فقط الإنسان. الملائكة القديسون - الذين لم يتبعوا مشورة الملاك الساقط (الشيطان) - أيضاً ينتظرون معنا.
إن تلك الساعة وذلك اليوم هما في سلطان الآب وحده. لا أحد يعلم متى يكون ذلك. المهم أن آدم وحواء نالوا وعداً بالخلاص عندما قال الله للحية: Gn:3:15: "واضع عداوة بينك (الحية) وبين المرأة وبين نسلك ونسلها.هو يسحق راسك وانت تسحقين عقبه." ونسل المرأة هو الرب يسوع المسيح الذي وُلد من العذراء مريم في ملء الزمان، كما يخبرنا إشعياء Is:7:14: ولكن يعطيكم السيد نفسه آية.ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل." هذا هو نسل المرأة الذي سحق الشيطان ودمّر مملكته (مملكة الظلمة التي طُرد إليها آدم وحواء)...
نرى أيضاً بأن آدم وحواء سترا عريهما بأوراق التين (التي ترمز إلى طريقتنا نحن بستر خزي الخطيئة) والتي لم يقبل بها الله، بل حدّد هو الطريقة المقبولة لديه لستر عارنا أمامه: وذلك بأن ألبسهما أقمصة من جلد ذبيحة!
وعادت طريقة الإنسان لستر خطيئته لتظهر في قايين عندما قدّم للرب من تعبه هو، أما هابيل فقدّم له ذبيحة (الطريقة التي شاءها بتدبيره الإلهي لخلاصنا Divine Economy of Salvation)...
وتتكرّر هذه الذبيحة المقبولة لدى الله في كل إصحاح من الكتاب المقدس.... وهي جميعها ترمز إلى ذبيحة السيد المسيح على الصليب كفارة أبدية لستر خطايانا، فنعود طاهرين أمام الله....الحالة التي تؤهّلنا - من جديد - إلى دخول الراحة الأبدية....الحالة التي فقدناها بسبب الخطيئة التي جرّحتنا وتركتنا "بين حيّ وميت"، كما يخبرنا مثل السامري الصالح....فعاد الله فطهّر وطبّب جراحاتنا وضمّدها، وأعادنا إلى نفس المستوى الذي فقدناه قبل الخطيئة (وذلك يُرمز له بوضع الجريح على دابته - في المكان الذي كان السامري الصالح يجلس عليه)....
إذن - أحبائي - فقط بدم الرب يسوع نخلص من الغضب الآتي ولا بد على العالم.... فكما عبر الملاك المهلك على مصر وقتل أبكارها، ولكنه لم يدخل إلى منازل أبناء الله لأن إشارة الدم كانت على الباب من الخارج...هكذا أيضاً ستعبر الدينونة على العالم أجمع، ولكنها لن تمسّنا نحن الذين اغتسلنا بدم السيد المسيح، كما في سفر الرؤيا: Rv:7:14:"هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيّضوا ثيابهم في دم الخروف".
إن الإيمان بالرب يسوع المخلّص هو قيامة أولى، كقوله تعالى: Jn:5:25: "الحق الحق اقول لكم انه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الاموات صوت ابن الله والسامعون يحيون." والسمع هنا يعني أيضا الإيمان...فبالإيمان نحيا بالرب يسوع....نلبس الرب يسوع بالمعمودية....نلبس "قميصاً من جلد" يستر خطيئتنا، فنضحى أبراراً به هو. فالمعمودية هي موت للإنسان الأول المحكوم عليه بالموت، وهي حياة بالإنسان الثاني المنتصر على الخطيئة والشيطان...به وحده نصبح أبناء لله...يتبنّانا الله بابنه الذي قبلناه....نتقدّم إلى عرش النعمة الإلهية بدمه الكريم المسفوك من أجلنا....الذبيحة المقبولة والأبدية....به ننتصر في كل التجارب...به نحيا، فهو الحياة...وهو أيضا الطريق الوحيد الموصل للسماء....به تجدّدت طبيعتنا الفاسدة، فعادت لها الطبيعة التي فقدتها.........به هو فقط لا ندخل إلى دينونة..بل بعد انتقالنا يتحقق بنا وعده الأمين القائل: "الحق الحق اقول لكم ان من يسمع كلامي ويؤمن بالذي ارسلني فله حياة ابدية ولا يأتي الى دينونة بل قد انتقل من الموت الى الحياة." (يوحنا 24:5).......
إنها القيامة الأولى الذي يخبرنا عنها سفر الرؤيا: Rv:20:6:"مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الاولى.هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم". وهذه الحالة أتمناها لي ولكم، بنعمة الرب.
الفئة الثانية والثالثة
يقول الرب يسوع: "Mt7:13:ادخلوا من الباب الضيق.لانه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي الى الهلاك.وكثيرون هم الذين يدخلون منه."
لست في موقع إدانة أحد فيما يتعلّق بهاتين الفئتين، ولكني سأحاول إيراد بعض الآيات التي تفصل بينهما..... وكلمة الله هي التي تحدّد وترسم معالم الطريق الذي يسلكه - أو بالأحرى يختاره - كلّ منّا.....
فعلاً، إن الباب واسع...على مصراعيه.... وعلى ذلك الباب من يرّوج دعايات مغرية للدخول فيه.... في كل مفترق من مفترقات حياتنا، علينا أن نختار في أي درب نسلك.... ربما يكون هناك إختيارات متعدّدة.... وعندها يكثّر الناصحون.... كلّ له رأيه الشخصي الذي يراه مناسباً..... وبعضهم من يدّعي الخبرة في مجال ما أو في آخر... وربما يصيب رأي ...أو يخيب..... وربما ذاك الشخص يريدنا أن نسلك الطريق الذي سلكه هو كي لا يكون هو الوحيد به....او أن نربح كما ربح هو.... أو نخسر كخسارته...... ولا أحد يقدر أن يدخل إلى قلب الإنسان ليعرف السرّ الذي يحثّه لإبداء نصيحة ما لنا..... ولا ندري ما قد يُخفي لنا وراءها..... وهل نقدر أن نعلم بأن ما أصابه من نجاح سوف يصيبنا بالتأكيد؟!..... وهل يعلم هو نفسه بأن الطريق الذي اختارها هي الأصح؟!....
والأنكى من هذا كلّه.....الضيقات التي نقع فيها أحياناً.....فنرى أنفسنا وقد علقنا في دوامة ليس من مخرج لها... وعندها يقترب الشرّير منّا مقدّماً الحلول الكثيرة....وكلّها غير مقدّسة، وإن بدت كذلك للوهلة الأولى..... يقدّم لنا الخطيئة بمفهوم آخر: "ما المانع إن أخذت (بدلاً من سرقت) بعض المال من صندوق الشركة حتى تفكّ أزمتك المالية الفلانية...أو تدفع القسوط التي عليك!....فتستطيع أن تردّها ثانية عندما يتوفّر المال...."... أو...."لا أعرف لماذا يسمّونها رشوة!؟.... فهذا حقّ لك....ولن يعرف أحد بذلك.... بل إنها {هديّة} لقاء خدمة تقوم بها!..."... وإن اكتُشف أمر أحدهم، ويشعر بأنه لن يفلت من العقاب، يأتي ذاك الخبيث بحلّ سريع: "اقتله... وكمّ صوته... فتخلص من تلك المصيبة!"....
هذا مثال من حقائق تحدث فعلاً لكثيرين..... والقصص كثيرة.... وأنا متأكّد من أن جميعنا يستطيع كتابة ملفات حول ذلك..... وهكذا يرى الإنسان نفسه متورّطاً بأمور كثيرة، وغارقاً في حياة اللهو والعبث والسكر والدعارة والقمار والسرقة والقتل.... وإلى ما هنالك من شرور...... والكتاب المقدس يعدّدها جميعها، قائلاً: Rv:21:8:واما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الاوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني".... "ام لستم تعلمون ان الظالمين لا يرثون ملكوت الله.لا تضلوا.لا زناة ولا عبدة اوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله." (1 كورنثوس 9:6، 10)...
فكل الذين تورّطوا في مثل هذه الأمور بدأوا حياتهم بشكل جيّد وصالح.... ولكنهم سمعوا لصوت تلك الحية التي أوقعت أبوينا في الخطيئة....تلك الحية التي قد تأتينا بشكل أخ، صديق، أهل، أقارب، جيران، معارف.....
فمن يسلّم أذنه لكلامها المعسول، يسقط تدريجيا....حتى يصل إلى الدرك الأسفل من الرذيلة....فتلك الحية لا تكتفي بسقوطنا، بل غايتها القضاء علينا بشكل تام حتى نصبح عاجزين تماماً عن الرجوع إلى أحضان من يقبلنا بسيّئاتنا، فيطرحها عنا بغسلنا منها..... الحية تريد أن توقعنا باليأس التام من خلاصنا... من رحمة الله.... وهذا ما يسمّيه الرب يسوع بالتجديف على الروح القدس.... فروح الرب يعمل فينا بقوة لخلاصنا...."فحيث كثرت الخطيئة هناك ازدادت النعمة كثيراً" (رومية 20:5)....وأما إن يئس الإنسان من خلاصه، فيُعدّ كأنه رفض عمل النعمة فيه وتنكّر لمحبة الله، وذلك بعدم تصديق وعوده الأمينة..... وعندها يبقى في حالة الخطيئة التي تؤدي إلى الدينونة وتوصل به إلى الهلاك.....
وعمل النعمة يتمّ في كل إنسان على الأرض....بطريقة لا يمكن أن يتصوّرها أحد....ففي لقاء الرب يسوع مع نيقوديموس، قال له: "Jn:3:8:الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من اين تأتي ولا الى اين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح"....وأيضاً عدالة الله تحتّم وصول النعمة للجميع بطريقة أو بأخرى...ولا أحد يقدر أن يقول للرب في يوم الدينونة "أنا لم تصلني البشارة يوماً....لم يكلّمني أحد عنك يوماً....لم ينصحني أحد.... لم تُرسل لي أحداً ليخبرني.... أنت أهملتني، ولكنك لم تهمل فلاناً...."... إلى ما هنالك.... لأننا حينها سيكون كل شيء مكشوف لنا... وسنعلم كل ما جرى... حتى الأمور التي لم تخطر على بالنا.... وسنرى بعين الروح كم تعب الرب معنا... وكم نصحنا.... وكم سندنا.... وكم وضعنا في حضنه الإلهي أثناء أمراضنا الروحية... وكم ربّت على كتفنا معزّياً.... وكم وقف بجانبنا أثناء المحن والمصائب.... وكم دافع عنا.... وكم أبطل فخاخاً في طريقنا..... وكم أرسل لنا "سمعاناً قيروانياً" يحمل الصليب عنا..... وكم شفى أمراضنا... وكم ستر عيوبنا ولم يفضحها.... وكم... وكم..... فالله يعمل بهدوء، دون ضخب أو جلل.... دون أن يبوّق أمامه... دون أن يشعرنا بوجوده....
ومع كل هذا يأتي أحدهم ليقول له (مجدّفاً): أنت السبب بخطيئتي!... لو أنك كنت لم تخلق حواء لما أسقطتني هي بالخطيئة...... {إلى ما هناك من رمي التهم على الآخرين}....بل على الله نفسه.... نحمّل الذنب له ولهم.... ولكن في الحقيقة هو أننا نحن من اخترنا ما نريد.... سترنا عورتنا بورق التين، رافضين قمصان الجلد التي اختارها لنا الله..... سجّلنا بأيدينا النجسة كتاباً غير كتاب الله..... عبدنا ذواتنا كصنم....أغظنا الله على كل المرتفعات..... ورفعنا الذبائح "لمولك".....
لا أحد في يده الدينونة سوى الله نفسه..... لا نقدر أن نحكم على أحد بأنه سيهلك، أو سيخلص.... ربما يتوب الإنسان في آخر لحظة ويطلب الرحمة من الرب - وحتى وإن كانت حياته كلها ملأى بالشرور - فلربما يقبله الرب ويرفضني أنا..... هو وحده من يقرّر....
فحسب كل ما ذُكر، من منّا يضمن أبديّته؟!.... من يقدر أن يقرّر إن كان سوف يعبر الدينونة ويخلص؟!.... فإن شئنا النجاة، علينا أن نسعى جاهدين لنصير من أصحاب الفئة الأولى.....فلنترك أعمال الظلمة.... ولنلبس النور، لنكون من أبناء النور.......