عفة اللسان والقلم والفكر.. وعفة اليد
كتب الباباشنودة الثالث
الأحد, 29 أبريل 2007
يظن البعض أن العفة مقصورة فقط علي عفة الجسد.. بينماهي تشمل أيضا عفة الحواس من نظر وسمع ولمس, وكذلك عفة القلب, وعفة اليد, وعفةاللسان, وعفة الفكر والقلم.
عفة اللسان:
* وواضح أن عفة اللسانتعني أنه يبعد عن كل كلمة رديئة. وكما قال السيد المسيح كل كلمة بطالة يتكلم بهاالناس, سوف يعطون عنها حسابا في يوم الدين, ولايقصد بالكلمة البطالة مجردالكلمة الخاطئة, وإنما أيضا كل كلمة بلا نفع, أو كل كلمة ليستللبنيان.
* والانسان العفيف لا يلفظ كلمة شتيمة أو اهانة أو تهكم, ذلكلأنه يحترم غيره, ولا يسئ إلي أحد بكلمة جارحة, ولا بكلام استهزاء أو احتقار أوازدراء, في أي حديث أو في أي عقاب. واذكر في يوم أربعين انسان روحي, توفيسنة1951 م قلت عنه لك اسلوب نزيه طاهر ولسان أبيض الألفاظ عف. لم تنل بالذممخلوقا ولم تذكر السوء اذا ما حل وصفا إنما باللطف والتشجيع قد تصلح الأعوج, وإنكدرا يصفو لهذا فإن الذي يستخدم الفاظا جارحة, أو ألفاظا قاسية, وكأنها كرجمالطوب, ليس هو إنسانا عفيف اللسان.
اللسان العفيف لايشهر بغيره, ولا يكشفعورة إنسان في حديثه لأن عفته تمنعه من ذلك. اللسان العفيف هو لسان مؤدب ومهذب,يزن كل كلمة ينفذ بها, ولا يحتاج إلي مجهود لكي يتكلم كلاما عفيفا, لأن هذا هوطبعه وقد تعوده.
واللسان العفيف لايستخدم ألفاظا معيبة من الناحيةالخلقية, فهو لا يتلفظ بكلمات جنسية بذيئة, ولا يذكر قصصا أو فكاهات جنسية,ولايقبل سماعها إن قيلت من غيره, ولا يردد أغاني من نفس النوع, بل يخجل منالنطق بها, ولا فيما بينه وبين نفسه في مسكنه الخاص.
إنه لايتدني إلي هذاالوضع, ويمنعه أدبه من استخدام لغة لا تتفق والأدب الذي تعوده.
*واللسان العفيف قد تعود أيضا عفة التخاطب ـ كما انه قد تعود علي أدب الحوار فهو لايقاطع غيره أثناء الحديث معه, ولا يوقفه عن الكلام لكي يتكلم هو, ولا يعلو صوتهفي الحوار ولا يحاول أن يقلل من شأن غيره في حواره, لكي يثبت صحة رأيه هو ولايهين غيره أثناء المناقشة, فكل هذه الأمور وأمثالها مما لايسمح بهأدبه.
* واللسان العفيف يكون موضوعيا في حواره, ولا يتعرض إلي الجوانبالشخصية فيمن يتحاور معه وإنما يكون منطقيا فيما يقوله, لا يمكن أن يصف محدثهبالجهل أو عدم الفهم. ولا يكشفه في هذه النواحي بل يركز
علي موضوعالنقاش.
عفة القلم:
وعفة اللسان ترتبط بها أيضا عفةالقلم.
وأعني القلم الذي يراعي كل ما قلناه فيما يكتب. فلايشهر بأحد, ولايجرح أحدا, ولا يعمد الي الاهانة, ولا يشيع عن إنسان ما ليس فيه, بل يحرص عليأعراض الناس, ويري أن سمعتهم أمانة لايمكن لقلمه أن يتجاوزها, بل القلم النزيهلايكتب الا بموضوعية تتفق وعفته.
* وهنا نري عفة النقد ونزاهته, ايالنقد العادل البرئ الموضوعي, الذي يهدف إلي الحق بغير تجريح, ويزن الأموربميزان سليم, ويذكر النقاط البيضاء أولا قبل غيرها من النقاط التي لايوافق عليهاوهكذا يعطي كل ذي حق حقه.
وفي نقده لا يدخل في نوايا الناس وما فيقلوبهم, فتلك أمور لايعرفها سوي الله وحده.
* علي أن أضيف إلي كل ماذكرناه, أن خطية القلم ومثلها خطية اللسان هي خطية ثانية في الترتيب الزمني أوالفعلي. أما الخطيئة الأولي فتكمن في القلب الذي يعبر عنه اللسان كما يعبر عنهالقلم في كتابته, ومن القلب يخرج الفكر, ويعبر عنه اللسان حينا والقلم حيناآخر.
عفة القلب وعفة الفكر:
هذه العفة الداخلية, يبني عليها كلتعفف من الخارج.
وعفة القلب هي عفة المشاعر والعواطف والأحاسيس, وعفةالمقاصد والنيات والرغبات. وعن عفة القلب تصدر بلاشك عفة الفكر, وعفة اللسان,كما تصدر عن القلب أيضا عفة الحواس, فكل هذه خارجة من مصدر واحد.
*لذلك ان وجد أحد أن فكره قد بدأ يسير في مجري غير عفيف, فليسرع ويقاوم هذا الفكرويوقفه قبل أن يتطور إلي أجهزته الأخري, وقبل أن يعبر الفكر عن وجوده بطريقاللسان أو القلم أو الحواس أو العمل ويهتم اذن بحالة قلبه وعواطفه التي هي مصدرلفكره أيضا.
* وعفة القلب والفكر, لها علاقة بالعقلالباطن.
فالعقل الباطن يعمل عن طريق المخزون فيه من أفكار ومن رغبات وصورومشاعر, فإن كان المخزون في العقل الباطن غير عفيف, حينئذ يظهر ذلك في أحلامغير عفيفة, وفي ظنون وأفكار من نفس النوع.
* وهنا يقف أمامنا سؤالكثيرا ما يسأله البعض وهو: هل مثل تلك الاحلام غير العفيفة تعتبر خطيئة, بينمايمكن أن نقول عنها إنها شبه إرادية أو نصف إرادية, لأنها ناتجة عن مخزون إراديسابق في العقل الباطن, لأنها لو كانت بالتمام غير إرادية, لاستيقظ منها الشخصدون أن تكمل, لأنه لا خبرة له بها ولا طاقة له باحتمالها.
عفةاليد:
* اليد العفيفة لا تمتد إلي مالغيرها, سواء بسرقة أو بأي لون مناغتصاب حقوق الغير كذلك لا تعتبر يدا عفيفة, تلك التي تفرح بربح غير جائز.ويدخل في هذا الامر: الربا الذي يفرضه الرابي علي الفقراء المحتاجين, وأيضااحتكار بعض التجار سلعا معينة في السوق, أو فرض أسعار عالية مجحفة بمن يشتريفتمتلئ أيدي هؤلاء من مال أخذوه من تعب الناس واحتياجهم, ظلما وقهر, وكما قلتعن مثل ذلك في إحدي القصائد. خطفوه من يد الجوعان بل من رضيع لم يوفوه فطاما ومنعفة اليد أيضا العفة في الطلب.
حيث يستحيي الإنسان العفيف اليد أن يمديده. بل إذا أعطاه البعض, يستحيي أن يأخذ, بينما الانسان غير العفيف قد يطلبما لايستحقه. وكأنه حق قد سلبه منه الذي يتوقع منه العطاء, وحينما يأخذ شيئا,لا يستحيي أن يطلب أزيد وأزيد!
* ختاما أرجو أن أكمل لكم موضوع العفة فيالمقال المقبل إن أحبت نعمة الرب وعشنا