عائلة وثقت في الرب
عزيزي القارئ.. ثق أن الله يهتم بالعائلة ككل وبكل فرد فيها.. وثق أنك أنت فرد هام في عائلة كونها الله لتعيش له ولتصنع مشيئته على الأرض. فسواء كنت أباً.. أماً.. ابناً أو ابنة، ثق أن لله مشيئة في حياتك وأنه يريد أن يصنع من خلالك أموراً عظيمة حتى وإن كنت أصغر مَنْ في البيت. لذا فأني أدعوك أن تقرأ هذه الرسالة ثم تقرأها لأفراد أسرتك لكي تثق وتتكل بالكامل على الرب في كل تفاصيل حياتك.
بالفعل كثيراً ما نتعرض لحروب من عدو الخير على المستوى الشخصي، ومرات أخرى يشن إبليس هجوماً عنيفاً ضد الأسرة بأكملها كالتعرض لمخاوف من إيذاءات واتهامات العدو أو سماع أخبار مزعجة تخص أحد أفراد الأسرة مثل مرض، موت، فشل في الدراسة، تهديد بالفصل من عمل... ولكن هذه الرسالة تدعوك أنت وأسرتك أن تتكل على الرب وتثق أن "ذو الرأي المُمكن تحفظه سالماً سالماً لأنه عليك متوكل. توكلوا على الرب إلى الأبد لأن في ياه الرب صخر الدهور" (إش26: 3،4). فلتثق وتعلن إيمانك أن الله أمين على حياتك وقادر أن يحمى ويحفظ بيتك وعائلتك من كل ريح عاصف "لأنني عالم بمَنْ آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي.." (2تي1: 12).
وإذا القيت نظرة سريعة عبر الكتاب المقدس بعهديه، ستجد العديد من القصص عن أناس وعائلات وضعت ثقتها في الرب في أشد المحن وفي أيام الضيق.. وكيف أن الرب كان لهم الملجأ والصخرة، وكيف كان الله يتدخل ليغير الأوقات والأزمنة وليحول اللعنة إلى بركة.. ويجعل كل الأشياء تعمل معاً للخير. وماذا عنك أنت؟ لابد أنك تتذكر- في رحلة حياتك على الأرض- كَمْ من مرة تدخَّل الرب في الوقت المناسب لإنقاذك قبل أن تُذل قدميك لكي ينتشلك من الحفرة.. وليفتح أمامك أبواباً مغلقة.. ويغلق أمامك أبواباً كانت لإيذائك..
لذا دعونا نتأمل معاً قصة عائلة بسيطة من شعب الله وضعت ثقتها في الرب وسط الظروف القاسية وتحديات المجتمع.. إنها عائلة موسى "بالإيمان موسى بعد ما وُلد أخفاه أبواه ثلثة أشهر لأنهما رأيا الصبي جميلاً ولم يخشيا أمر الملك" (عب11: 23).
تُرى لماذا أخفاه أبواه ثلثة أشهر؟ وما الذي دفعهم لذلك؟ فبالرجوع إلى القصة في سفر الخروج الأصحاح الأول سوف تجد أن فرعون- ملك مصر في ذلك الوقت- قد أصدر قراراً عنيفاً بقتل كل ذكر يُولد لأنه رأى أن شعب الله ينمو ويزداد في العدد، وخاف أن يخرج من بينهم شخصاً عظيماً ينافسه المكانة وينزع السلطة من يده. لذا أمر بقتل كل الذكور واستحياء البنات. وعاشت عائلة موسى وسط هذا الجو الكئيب والمخيف لا يعلمان مصير المولود الذي كانت أمه ما زالت تحمله في أحشاءها. تُرى هل سيكون المولود ذكراً أو أنثى؟ وإذا كان ذكراً هل سيستسلمون لقتله أم يعيشون في مغامرة إيمان لاستبقائه؟ ومرت الأيام وها هي العائلة تلد ولداً.. وكان اسمه موسى.
ومَنْ هي هذه العائلة؟ كانالأب والأم من سبط لاوي (خر2: 1) أي أنهم كانوا من شعب الله. وهل تعلم حالة شعب الله في ذلك الوقت؟ كانوا عبيداً لقرن من الزمن.. فقراء.. لا يمتلكون شيئاً.. دون إمكانيات أو مراكز.. يستعبدهم المصريون بعنف ويمررون حياتهم بعبودية قاسية (خر 1: 13-14).. ليس لديهم حرية التصرف ليفعلوا كل ما يريدون.. ومع كل هذا كانت هذه العائلة البسيطة تعتز وتفتخر أنها من شعب الله! وماذا عنك أنت؟ هل تفتخر أنك من شعب الله رغم ضعفك؟ هل تؤمن أن الله يستطيع أن يصنع بك ومن خلالك أموراً عظيمة رغم إمكاناتك الضعيفة؟ وهل تؤمن أن دورك مؤثر وسط عائلتك حتى ولو كنت أنت أصغر عضو فيها؟ وتُرى هل الله يتجاوب مع هذه النوعية.. نوعية الضعفاء البسطاء؟ بكل تأكيد نعم.. نعم أن الله لا يهمه إمكانياتك، مركزك أو ثروتك، لكن ما يجذب قلبه هو أن يجد قلباً يثق فيه أنه الإله القدير، قلباً يحبه.. وقد كانت عائلة موسى تحب الرب أولاً ..
آمن أن الله يستطيع أن يستخدمك بأي وضع أنت فيه. فقط ثق فيه! إن الله لا يحده النشأة التي تربيت عليها.. أو وضعت الاجتماعي الذي يحيط بك.. أو مركزك.. أو.. أو.. . فهذا هو المعنى الذي يملأ كل الكتاب إذ يقول "بل اختار الله جهال العالم ليُخزي الحكماء. واختار الله ضعفاء العالم ليُخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود" (1كو 1: 27 -28).
".. ولما رأته أنه حسن (جميلاً) خبأته..". هل فكرت للحظة داخلك لماذا خبأت هذه العائلة الطفل موسى؟ هل فعلت ذلك فقط لأنه كان جميلاً؟ كلا! فمؤكد أن كل أب وكل أم رأوا مولودهم الذكر جميلاً! أم هل لأن كانت مشاعرهم الطبيعية تتحرك؟ أعتقد أنه رغم أهمية هذه النقطة لكنها لم تكن كافية، فلو كان الأمر هكذا، لكسرت أغلب العائلات قرار فرعون واستبقوا حياة أطفالهم. إذاً ما هو الدافع الحقيقي الذي كان وراء مغامرة إيمان هذه العائلة؟
من القراءة الأولى العابرة لهذه الأية قد تفهم أن أبوي موسى احتفظوا به فقط لأن شكله كان جميلاً، ولكن إذا درست في الترجمات والأصول العبرية لكلمة "حسن أو جميل" ترى أن معناها "جميل في عين الله!". فما معنى هذا؟ وما هو الإيمان هنا؟ لقد أدرك أبوي موسى للحال أن هناك خطة عظيمة له من عند الله. لقد رأوا بالإيمان أن هذا الطفل مختلف. لقد أعطى لهما الله إعلاناً ملأ كل كيانهما إن له خطة عظيمة في قصد الله.. وهذا الإيمان قادهم ألا يخضعوا للملك.. ووثقوا أن الخضوع لله أعظم من قوانين الملك! كانت أسرة عادية ولكنها أسرة تمتلك الإيمان ومستعدة لأن تخضع للرب وحده.. أسرة لم تخف رغم المقاومة بل غامرت بحياتها وآمنت أن الله سيحفظ ابنها من كل إيذاء.
كََمْ هو عظيم إيمان هذه العائلة معاً رغم أن الأم غالباً ما كانت هي صاحبة مغامرة الإيمان وهي التي أخذت المبادرة. وهذا هو ما نفهمه من سفر الخروج إذ يقول الكتاب عنها ".. ولما رأته أنه حسن (جميلاً) خبأته..". ولكن عندما ذكر الكتاب هذه القصة في العهد الجديد ركز ركز على إيمان الأب والأم معاً "بالإيمان موسى بعد ما وُلد أخفاه أبواه ثلثة أشهر لأنهما رأيا الصبي جميلاً ولم يخشيا أمر الملك" (عب11: 23). نعم لقد ذكر الكتاب إيمان الأب والأم معاً وحسبهما من أبطال الإيمان. لقد صدق الأب ما رأته زوجته بالإيمان.. واتحدوا معاً بإيمان قوي لكي يحققا معاً مشيئة الله لحياتهما وعائلتهما وأبنائهما. نعم لا يهم أن تكون أنت هو صاحب المبادرة أو صاحب الإيمان، لكن المهم هو أن تصدق وتمشي وتغامر بحياتك وراء هذا الإيمان!
إنها عائلة أخرجت موسى رجل الله العظيم وخبأته لمدة ثلثة أشهر. وطوال هذه الأشهر كان الرب لهم صخرة الحماية، فلم يُعلم بسرهم.. ولم يحتاجوا شيئاً..
ولكن بعد ثلثة أشهر من ولادته كان من الصعب إخفاء سره أو كتمان صراخه وبكاءه.. "ولما لم يمكنها أن تخبئه بعد أخذت له سفطاً من البردي ... ووضعت الولد فيه ووضعته على حافة النهر.. ووقفت أخته من بعيد لتعرف ماذا يفعل به" (خر2: 3-4).. ياله من صراع جديد يتطلب إيمان ومغامرة جديدة! إنه سؤال كان يدور في ذهن عائلة موسى ولا نزال نطرحه كثيراً حتى يومنا هذا.. ماذا أنت صانع لنا يا رب؟ متى ستتدخل بيدك القديرة لتنقذ هذا الطفل؟؟ لقد قبل أبوي موسى أن يغامرا بحياتهما مرة أخرى للإبقاء على حياة موسى فوضعته أمه في سلة على حافة النهر. وهنا نرى مريم أخت موسى وعمرها ما بين 13 إلى 16 عاماً.. ابنه من عائلة تحيا بالإيمان واقفة من بعيد تراقب.. ماذا ستفعل يا رب في مصير أخي؟؟
وقد تكون أنت أيضاً تطرح هذا السؤال ماذا ستفعل يا رب في مشكلتي.. في المرض.. في تهديد العدو لي؟! ولكن هل تنتظر استجابة الرب لك بتوقع وإيمان وفرح؟ فعندما تسلم للرب حياتك ومشكلتك وتثق فيه وتتكل عليه، ثق أنه سيحفظك سالماً سالماً. لذا اطلق إيمانك ليتوقع أموراً عظيمة من الله.
هل يستطيع الله أن ينقذ موسى؟ نعم وقد حصدت هذه العائلة على مكافآت الإيمان.. واختبرت تدخل الله لها في الوقت المناسب ليدفع بالسلة في وسط المياه في نفس الوقت ونفس الاتجاه الذي كانت فيه ابنة فرعون نازلة تستحم، فتجد السلة وتفتحها وتجد طفلاً يبكي. وهناك "رقَّ قلبها". نعم كانت ابنة فرعون تعرف القوانين التي أصدرها أبوها جيداً، لكن الله وضع في قلبها حباً خاصاً لموسى وصار لها ابناً. بالفعل لم يؤذى موسى بل حفظه الله.
لذلك ثق أنت أيضاً عزيزي القارئ أنك لن تؤذى "بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمي .. لا تخشى من خوف الليل ولا من سهم يطير في النهار لا يُلاقيك شر ولا تدنو ضربة من خيمتك "(مز91: 4 ، 10).
وتدخل مريم أخته مغامرة إيمان جديدة "فقالت أخته لأبنة فرعون هل أذهب وأدعو لك امرأة مرضعة لترضع لك الولد.. فقالت أذهبي.. فذهبت الفتاة ودعت أم الولد" (خر2: 7-8). لم ينقذ الله فقط موسى بل لم يحرم أمه من رؤيته وإرضاعه.. كَمْ يقدر الله مشاعرنا وأحتياجاتنا.. ثق في أبوك السماوي أنه يعرف ويهتم بأدق تفاصيل حياتك.
وأخيراً نرى موسى بعد ما كبر ونضج له نفس الإيمان والثقة التي تتمتع بها عائلته؛ فهو الابن الذي تعلم وتهذب بكل حكمة المصريين وتمتع بكل رعاية وحب ابنة فرعون، ولكن عندما نضج وتتطلب منه الأمر اتخاذ قرار حاسم عند مفترق الطرق " بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون مفضلاً بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية.. حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر لأنه كان ينظر إلى المجازاة" يا لها من عائلة تحيا بالإيمان! فالأم تبادر بالإيمان.. والأب يأخذ قراراً ضد قرار فرعون.. والأخت تتكلم بجراءة مع ابنة فرعون. وها هو موسى كان بالإيمان المجازاة ويرى مكافآت الإيمان إذ قد رأى هذه المكافآت في عائلته من قبل. لقد تعلم موسى أنه عندما يثق في الرب ويغامر بحياته من أجل أن يعيش مع الرب وفي خطته، فلن يندم أبداً. وقد تكون أنت أيضاً هذه الأيام أمام مفترق طرق وعليك أن تأخذ قراراً حاسماً مصيري.. فاختار أن تعيش مع الله.. ولن تندم أبداً بل وستحصد المكافآت.
صلاة
يا رب قد جربت كثيراً أن أعيش لنفسي وأعول هَمْ نفسي.. وفشلت
جربت أن أحمى بيتي وعائلتي بخبراتي وحكمتي.. وفشلت
تعال املأني بسلامك الغير عادي.. سلام يطرد كل خوف
كن لي صخرة.. ملجأ أدخله دائماً
أنت الإله القدير.. أثق فيك وأتكل عليك
أنني عالم بمَنْ أمنت.. وأنت قادر أن تحفظ وديعتي
تحمني وتظلل رأسي في يوم القتال.. تحفظني سالماً سالماً
يا رب أريد أن أتبعك في مسيرة إيمان حقيقية
فأحيا في المشيئة ولتتميم دعوتك على حياتي
أريد أن أحيا لمجدك.. أغامر بحياتي من أجلك
وسأحصد البركات.. وسأحسب من أبطال الإيمان
أمين