*التواضع الصحيح* تسربلوا بالتواضع، لأن الله يقاوم المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة(1بط5: 5)
لا حاجة بنا إلى القول أن التواضع الحقيقي نعمة إلهية ثمينة. فإن « التسربل بالتواضع » أمر إلهي. ولكن رفض المركز المرتب لنا من الله وعدم الرضي بالمرور في الطريق التي خطتها يد الرب لنا، لا يُعَد تواضعاً. وعندما قال موسى للرب: استمع أيها السيد: لست أنا صاحب كلام .. بل أنا ثقيل الفم واللسان .. أرسل بيد مَنْ ترسل. نقرأ أنه « حمى غضب الرب على موسى » (خر4: 10-14).
إننا عندما نأبى أن نشغل مركزاً وضعنا الله فيه من مجرد نعمته، بحجة عدم كفاءتنا أو عدم لياقتنا، فليس هذا من التواضع الحقيقي في شيء، لأن ذلك يُعَد بمثابة القول: أننا عندما نشعر بلياقتنا وكفاءتنا يصبح لنا الحق في أن نشغل هذا المركز. كأن القضية هي قضية استحقاق لا مجرد نعمة الله. ثم لنفرض أن موسى بلغ درجة من الفصاحة كافية لأداء هذه المأمورية، فالمتبادر إلى الذهن أنه حينئذ كان يقبل الذهاب في إرساليته. ولكن إذا سألنا كم هو مبلغ الفصاحة اللازمة لتأدية هذه الخدمة، لكان جوابنا أن الفصاحة مهما كان مقدارها بدون الله هي لا شيء، واللكنة نفسها مع الله لا تُعيق الخدمة في شيء.
هذه الحقيقة لها أهمية عملية. فإن عدم تصديق الله مهما كان ظاهره تواضعاً، هو في الواقع عين الكبرياء. وكأن الإنسان يأبى أن يصدق الله إن كان لا يجد في « الذات » سبباً لهذا التصديق. وهذا هو منتهى الادعاء. لأني إذا أبيت التصديق متى تكلم الله بسبب شيء فيَّ، فأكون قد اعتبرت الله كاذباً (1يو5: 10). مثال ذلك: إذا أعلن الله لي محبته ورفضت أنا الإيمان بهذا الإعلان لأني وجدت نفسي غير مستحق لهذه المحبة، فإني أجعل الله كاذباً وأُظهر بتصرفي هذا كبرياء قلبي. وإذا أبيت أن آخذ المركز الذي تضعني فيه محبة الله الفدائية بناء على كفارة المسيح الكاملة، فكأني جعلت الله كاذباً وأهنت ذبيحة المسيح، مع أن محبة الله تتدفق بغزارة وهي تتجه إليَّ لا نظراً لاستحقاقي، بل نظراً لشقاوتي. وفضلاً على ذلك فليست المسألة مسألة مكان أستحقه أنا، بل المكان الذي يستحقه المسيح. فقد أخذ المسيح مركز الخاطئ على الصليب لكي يأخذ الخاطئ مركز المسيح في المجد. ونال المسيح جزاء الخاطئ لكي ينال الخاطئ جزاء المسيح.