هو أسقف الإسكندريّة طيلة خمسة وأربعين عامًا (328-373)، قضى منها سبعة عشر عامًا في المنفى موّزعة على خمسة منافٍ متفاوتة الطول. وُلد في الإسكندريّة عام 295 من أبوين مسيحيّين ومن أصل يونانيّ، وسمّي "أثناسيوس" الذي يعني بالعربيّة "خالد". حصّل أثناسيوس ثقافة عالية دينيّة وعالميّة، كما كان خطيبًا مفوّهًا. تعيّد له الكنيسة في 18 من كانون الثاني.
وضع أثناسيوس مؤلّفات دفاعيّة وعقائديّة وتاريخيّة وروحيّة. أوّل كتبه هو "الردّ على الوثنيّين وفي تجسّد الكلمة"، وكان لأثناسيوس حين ألّفه ثلاثة وعشرين عامًا. ويتضمّن هذا الكتاب قسمين: القسم الأوّل هو دفاع عن المسيحيّة بإزاء الوثنيّين، يثبت فيه الكاتب صحّة التوحيد الإلهيّ وبطلان عبادة الأصنام وتعدّد الآلهة. والقسم الثاني يوضح الإيمان بالتجسّد والهدف منه: لقد تجسّد كلمة الله ليؤلّه الإنسان ويوحّده بالله ويمنحه الحياة الدائمة.
إنّ عبارة "لقد تجسّد كلمةُ الله ليؤلّه الإنسان" توجز لاهوت القدّيس أثناسيوس كلّه. فأثناسيوس، المدافع عـن إيمان الكنيسة في وجه هرطقة الآريوسيّين الذيـن أنكروا ألـوهة السيّد المسيح، يشدّد في رسائله إلى الأساقفة والمؤمنين على أهمّيّة الإيمان بألوهة المسيح لنيل الخلاص. فلـو لم يكن المسيح إلهًا لما كان بمقـدوره أن يخلّصنا من الموت، ولما كنّا حصلنا على الحياة الأبديّة. فيقول في إحدى خطاباته: "إذا جعلتم من الابن خليقةً، يبقى الإنسان في الموت لعدم اتّحاده بالله... لا يمكن لأيّ خليقة البتّة أن تمنح الخلاص للخليقة، إذ إنّها هي نفسها بحاجة إلى الخلاص". وفي رسالة إلى أساقفة مصر وليبيا يحثّهم على الحفاظ على إيمانهم بألوهة الربّ يسوع مستشهـدًا بالإنجيل: "ماذا يفعلون بالنصوص التي يقول فيها الربّ نفسه: أنا والآب واحد (يوحنّا 10: 30)، مَن رآني فقد رأى الآب (يوحنّا 14: 9)، أو بقول بولس الرسول: إنّه ضياء مجده وصورة جـوهـره (الرسالة إلى العبرانيّين 1:1)؟ مَـن لا يرى أنّ الضياء غير منفصل عن النور، وأنّه يشترك في طبيعته ولا يمكن أن يُفصل عنه؟". كتب مقالة عن التجسّد للردّ على الآريوسيّين يؤكّد فيها ألوهة الابن وألوهة الروح القدس أيضًا، فيقول: "صارُ ابن الله ابنَ البشر لكي يصير أبناءُ البشر، أبناءُ آدم، أبناءَ الله (...) إنّه ابن الله بالطبيعة ونحن أبناء الله بالنعمة". ومن أروع ما كتب أثناسيوس، خارج إطار الدفاعات اللاهوتيّة، سيرة القدّيس أنطونيوس الكبير أبي الرهبان ومؤسّس الرهبنة. يضيق بنا المجال، في هذه المقالة، لعرض كلّ كنوز أثناسيوس الذي اعتبرته الكنيسة، عن حقّ، كبيرًا، لأنّه من عظماء معلّمي الكنيسة على مرّ تاريخها.