كتب احد القسوس البروتستانت مرة :
الخلاص يتم في لحظة بالنعمة بالإيمان. بمعنى أن المؤمن ينال الغفران، والحياة الأبدية، والحرية من سيادة الشيطان، ويولد ثانية من الله وينجو من غضب الله.
ويبقى خلاص المؤمن من الجسد الترابي الذي وُلد به، وهذا سيتم عند عودة المسيح.
واستشهد على ذلك باقامة لعازر وشفاء النازفة الدم وخلاص المرأة الخاطئة ... انه تم في لحظة .. وقال :
قام لعازر في لحظة.. لم تكن قيامته تدريجية.. ولم تستغرق الأيام والشهور والأعوام.. الخلاص الإلهي يُعطى في لحظة.. ( ولكن لعازر مات ثانية فما علاقة ذلك بالخلاص لم أفهم )
هذه المرأة شُفيت في لحظة.. وتيقّنت من حصولها على الشفاء.. لقد عاشت مريضة لمدة اثنتي عشرة سنة .. ولكنها خلصت من دائها في لحظة وتيقنت من حصولها على هذا الشفاء والخلاص المعجزي.
امرأة في المدينة كانت خاطئة.. بمعنى أنها باعت جسدها لمن يدفع الثمن.. وسمعت عن المسيح.. وأنه موجود في بيت سمعان الفريسي.. فجاءت إليه "ووقفت عند قدميه من ورائه باكية" (لوقا 38:7).. كانت تريد الحصول على الخلاص.. الحصول على غفران لخطاياها الفظيعة.. ومنحها يسوع المسيح الغفران والسلام والحرية من عبودية شهواتها الجسدية في لحظة.
لنتأمل كيف يقدم لنا القس العزيز خلاص الله !! وأنتم احكموا
هل أنت مخلّص ؟
هذا السؤال هو تحدّ متكرر يواجهه المسيحي الأرثوذكسي من قبل البروتستنت الغيورين على الإيمان ظاهرياً والذين يشعرون أنه من واجبهم أن يتحدّوا الجميع بسؤالهم كل إنسان " هل أنت مخلَّص ؟ " . ومهما كان جواب الآخر ينبري البروتستنتي إلى التباهي بأنه من جماعة " المخلَّصين " أو " المولودين ثانيةً " وأنه إذا مات في هذه اللحظة فإنه سيطير إلى ملكوت السماوات بضمانة لا تفوقها ضمانة! هنا ينظر البروتستنتي إلى الآخر بشفقة ورثاء ولسان حاله يقول : إن كنت لا تشعر بماأشعر وإن كنت لا تؤمن بما أؤمن فلست مسيحياً مؤمناً وتستحق الرثاء والعطف والشفقة.
الخلاص في الأرثوذكسية مختلف عنه في المسيحية الكاثوليكية والتي منها يستعير الفكر البروتستنتي ما يحلو له ويطيب.
ما سمعت أرثوذكسياً يتباهى ويقول : أنا بلغت قمة الخلاص .. وما رأيت صلاة أرثوذكسية يصلي فيها المؤمن من أجل نفسه بل يصرخ الجميع بصوت متفق " خلصنا .. ارحمنا .. أعطنا أن نمجدك ونسبحك " .. المؤمن الحقيقي لا يطلب لنفسه بل للآخرين .إنه يخجل ويأبى أن يطلب لنفسه لثقته أن الله يرعاه.
مقدمة: كيف خُلقَ الإنسان ؟
الإنسان خلق على صورة الله ومثاله ، أي كائن حر عاقل مفكر أعده للخلود ، ولكن مع الله وليس بعيداً عنه " من هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده، أقمته على اعمال يديك بمجدٍ وكرامة كللته " ( مزامير ).. لكن الإنسان لم يقنع فأصغى لصوت الشرير الذي قال له لماذا لا تصير كالله ، اخرج عن طاعته فتصير مثله .. وأطاع الانسان صوت الشرير فوجد نفسه عارياً وقزماً أمام إلهه فاختبأ من أمام وجهه " لأني وزوجتى عريانين " .. لكن الرب الإله الذي كان يعلم أن الحرية التي منحها للإنسان قد تكون سيفاً ضده، وقد ينجم عنها أن يرفضه هذا الإنسان سارع إليه وناداه " آدم آدم أين أنت " .. صوت الرب في جنة عدن يطلب الإنسان هو من أجمل صور المحبة الإلهية .. لديه الملائكة تخدمه لكنه ترك كل شيء وذهب يبحث عن خروفه المسكين الضال ..
إذاً تشوهت صورة الله الموجودة في الإنسان بسبب الخطيئة ولكنها لم تفقد، أما الإنسان فقد فقد بالخطيئة اتحاده مع الله وانفصل عنه ، لأنه لا يمكن للخاطيء أن يتحد مع الذي لا خطيئة فيه البتة.. وعندها أعدّ الله خطة الخلاص وبدأ يهيء البشرية لها .. لهذا من البديهي أن يكون الخلاص معناه أن يعود الإنسان إلى صورته الأولى أي أيقونة لله .. وهذا يتم بعودته متحداً بإلهه لا ينفصل عنه كما كان قبل العصيان.
لهذا ندعو يسوع آدم الجديد، أي الإنسان الجديد: كان متحداً مع الله ليس كلاهوت فقط بل أنه كان خاضعاً بالمطلق لأبيه " طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني " و " ألستما تعلمان أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي " ... وكان بذلك الصورة التي يجب أن نكون عليها .. ومنه فإن الخلاص هو أن نصير المسيح :
" لا أحيا أنا بعد بل المسيح يحيا فيّ "
" إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله. إلى إنسان كامل. إلى قياس قامة ملء المسيح "
الخلاص في المفهوم اللاهوتي الأرثوذكسي:
الخلاص بالنسبة للأرثوذكسية هو " الإتحاد بالله " لأن الإنسان لمّا لم يعد يستطيع أن يصعد إلى الله قام الله نفسه " وطأطأ السماوات ونزل " ( مز18: 9 ) في ابنه الوحيد إلى الأرض ليعانق الإنسان ويتحد هو به ويقدسه فيخلصه . الآخرون يرون في هذه الفكرة مفهوماً غريباً لأن عقولهم مقولبة على قوالب التفكير المتأثر بلوثر وكالفن: ومفاده أننا خطاة بالطبيعة ولا نستطيع شيئاً ولا حول لنا ولا قوة، جاء المسيح فدفع هذا الثمن الذي نحن كنا مكلفين بدفعه وهو الموت ، وانتهت المسألة ونلنا الحياة الأبدية ..
مسرحية هذه، وكأننا في محكمة. لهذا يرتبك البعض عندما يتم سؤالهم من قبل شخص غير مؤمن: لماذا كان على المسيح أن يموت طالما أنه يقدر بكلمة أن يخلصنا؟
المسيح لم يكن عليه أن يموت ليرضي شهوة الآب للدم، حاشا ذلك. بل جاء المسيح وسلك درب الطاعة للآب والتواضع والانسحاق ، والذي بلغ ذروته بالموت في سبيل من يحب. الذي يحب يتمنى أن يحمل على ذاته كل آلام الحبيب والمسيح أحبنا و " حمل أوجاعنا " ومات عنا وقام لكي نقوم معه بقيامته. بذلك يكون المسيح " آدم الجديد " سلك عكس الدرب الذي سلكه آدم الأول الذي انتفخت فيه الأنا وأراد أن يستقل عن الله خالقه وأغواه الشيطان أنه بالتمرد على الوصية " تصيران كالله عارفين الخير والشر " .. آدم أراد أن يتأله بمفرده فسقط، والمسيح علمنا بسلوكه وموته كيف هو الطريق الصحيح للتأله.
من المعيب تحجيم الخلاص بدفع فدية للآب على ما اقترفناه من خطايا وما سنقترفه أيضاً في المستقبل. الله ليس هذا الإله الخاضع للنزوات والغضب والثوران حتى يغضب من خطيئة ويهدأ لرائحة الدم، دم ابنه المصلوب. بشكل غير مقصود حوّل البروتستنت الله إلى إله دموي – دون قصد ولكن دون إدراك – وسبب ذلك أنهم خرجوا عن الكنيسة الأم.
الغرب عموماً يتبنى نظرية التكفير وملخصها : لو ارتكب إنسان جريمة قتل وجاء يمثل امام القاضي فكان الحكم بأن يدفع فدية ما او يُقتل. فجاء شخص ودفع الفدية عنه وأعلن القاضي عندها براءته وأطلق سراحه فخرج مبرراً " من وجهة نظر المحكمة " . السؤال هنا " هل غيّر هذا الفعل من طبيعة هذا الشخص وأهوائه وشروره ؟ " بالطبع لا ..
{ لا يقول أحدٌ هنا أن على هذا الإنسان أن يبدأ بعدها تغيير حياته ، فنحن نتحدث عن ما يقول به البروتستنت وهو " الخلاص في لحظة " عندما تعلن " أنك تقبل يسوع مخلصاً شخصياً وتؤمن بموته الكفاري على الصليب " }
هذا ما يعتقد به البروتستنت وكل ما عليك أن تقبل أن يدفع عنك هذا الشخص الفدية وتخرج مبرراً ، هذا ما يفعلونه في اجتماعاتهم : المسيح دفع الفدية عنك ، أنت خاطيء. اقبل الفدية تخرج مباشرة مبرراً وتتحول من أكبر خاطيء إلى أعظم قديس وتضع الملكوت في جيبك ( على الإنترنت مواقع يصبح فيها أكبر الخطأة قديسين خلال 3 دقائق ) .
معيبات هذه النظرية :
- إن الله لا يتغير ، يعني لا يثور ويغضب من خطأ الإنسان ثم يعود ليهدأ بعد دفع المسيح الفدية ، هذه اسقاطات بشرية على الله لا تليق به
- تجعل الخطيئة مشكلة الله وليست مشكلة الانسان ، فالمهم ما تفعل الخطيئة بالله وليس ما تفعله بالانسان.. الخطيئة لا تؤثر على الله بشيء ولكنها تبعد الإنسان عن الله فيجف ويذبل ويموت لابتعاده عن ينبوع حياته ، كما الغصن المكسور الذي ييبس ويموت بعيداً عن الشجرة.
بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية فالحالة مختلفة، المسألة هي في تغرّب الإنسان عن الهدف الذي خُلق لأجله وهو الشركة مع الله وأن يكون معه متحداً به. المصير البشري الضائع تم استرداده بالمسيح آدم الجديد، فما كان هو عليه بالطبيعة نصبح نحن عليه بواسطة النعمة. الخلاص عندنا هو حالة الانسان ، هو باختصار التأله الذي نغرس بذرته بالمعمودية ونبلغ ذروته في الجهاد الروحي المرير المكلل بالقيامة العامة. البرارة بحد ذاتها ليست التأله بل هي حالة غير ثابتة أصلاً. وبالتالي فالخلاص مشوار وجهاد مرير يبدأ في لحظة قبولك ليسوع المسيح سيداً لحياتك ولكل تصرفاتك وتفكيرك وينتهي عندما يتجلى نور المسيح فيك ويشرق منك، عندها أنت مخلَّص بكل تأكيد. فاترك عنك خزعبلات " الخلاص بهذه اللحظة " ..
بولس كان يخشى أنه قد يفقد خلاصه بعدما جاهد كل حياته في سبيل الكلمة وصرّح بذلك ، في أية لحظة قد يقوى الشيطان عليك فيحرفك عن متابعة الجهاد المستمر قد تفقد كل شيء وتخسر كل ما فعلت حتى ولو في أواخر أيامك. هذا ما نفهمه من أيقونة "ا لسلم إلى الله " الشيطان يتربص بنا في كل مراحل هذا الطريق ، ولهذا اسميه جهاداً مريراً.
ملاحظة:
سيقول قائل : " ولكن العشار في المثل الإنجيلي خرج من الهيكل مبرراً دون الفريسي وهذا حدث في لحظة "
" اللص نال الفردوس بلحظة "
العشار لم يخرج مخلّصاً أي رجلاً طاهراً فلا زالت الخطيئة ببذورها فيه، المهم أنه عرف أنه خاطيء ولجأ للطبيب الحقيقي وطلب المغفرة، هذا ما يحدث في ممارسة " سر الاعتراف " في الكنيسة الأرثوذكسية فقد تبقى عرضةً للخطيئة ولكن الشفاء بدأ إذ عرفت واعترفت أنك خاطيء .. هذا واضح بقول الرب للمرأة الزانية " اذهبي ولا تخطئي ثانيةً " .. قد تخطيء ولكن لضعفك البشري . الرب يعلم انك في قرارتك لا تريد ذلك ولهذا رتّب لك سر الاعتراف لتعود فتعترف له وتتنقى إلى أن تتخلص من كل بذور الخطيئة بمساعدة من هم أكثر خبرة روحية منك ( الأب الروحي ) وبنعمة الرب المعطاة لك.
أما اللص فقد كانت هذه آخر لحظات حياته ولم يعد له من فرصة أخرى ليصحح مساره السابق في هذه الحياة ، ولا نستطيع أن نعتمد على هذا المثل كمثال حصري.. قد يكون لدينا فرصة لتصويب مسيرتنا فلا نقارن أنفسنا به ونستريح مطمئنين.
الموضوع كتب بالاستعانة بكتابات الدكتور عدنان طرابلسي
منقول عن احد المواقع الارثوذكسية
_________________
[b]