روحانية الصوم
الصوم ليس مجرد فضيلة للجسد. بعيدا عن الروح. ذلك لأن كل عمل لا تشترك فيه الروح. لا يمكن أن يعتبر فضيلة علي الاطلاق. فما هو عمل الجسد في الصوم؟ وما هو عمل الروح؟
عمل الجسد في الصوم. هو تمهيد لعمل الروح أو هو تعبير عن مشاعر الروح..
الروح تسمو فوق مستوي المادة والطعام. بل فوق مستوي الجسد. فتقود الجسد معها في موكب نصرتها وفي رغباتها الروحية ويعبر الجسد عن هذا بممارسته للصوم.
ان قصرنا تعريفنا للصوم علي أنه إذلال أو إخضاع له. كما يري البعض. أو مجرد منع الجسد عما يشتهيه.. نكون قد شرحنا من الصوم سلبياته. دون أن نذكر عمله الايجابي الروحي. فما هو؟
* * *
الصوم ليس مجرد جوع للجسد. بل هو غذاء للروح:
فليس الصوم تعذيباً للجسد. إنما هو تسامي الجسد. لكي يصل إلي المستوي الذي يتعاون فيه مع الروح. فليس هو ارهاق للجسد. بل إعداده في حالة روحية. يشترك فيها مع الروح في الصلاة والسجود والركوع. وفي عدم الانشغال بالمادة مما يعطل الروح عن عملها.
الصوم فترة ترتفع فيها الروح. وتجذب الجسد معها:
تخلصه فيها من أحماله وأثقاله. وتجذبه معا إلي فوق. بعيدا عن المادة بشتي أشكالها. وبعيداً عن الانشغال بالعالم وشهواته. لكي يعمل معها عمل الرب بلا عائق. والجسد في روحانيته يكون سعيداً بهذا.
*
الصوم هو عمل روح زاهدة. تشرك الجسد معها في الزهد.
فلا يكون الصوم هو الجسد الجائع. بل الجسد الزاهد..
وحينئذ لا يمتنع الجسد عن الطعام بينما يشتهيه. وإنما هو قد وصل إلي الوضع الذي لا يشتهي فيه هذا الطعام. لذلك يمتنع عنه.
والصوم هو فترة روحية يقضيها الجسد والروح معاً في عمل روحي. يشترك فيه الجسد مع الروح في عمل واحد هو عمل الروح.. يشترك معها في الصلاة والتسبيح. وفي التأمل والعشرة الإلهية.
فيصلي: ليس فقط بجسد صائم. انما أيضا بنفس صائمة..
بنفس صائمة عن الأرضيات الفانيات. وبفكر صائم وقلب صائم عن الشهوات والرغبات الجسدية. وبروح صائمة عن محبة هذا العالم الزائل وكل ما فيه من مغريات.. نعم. نفس ليس في داخلها إلا شهوة الخير والبر. وشهوة الوجود مع الله. تتمتع بنوره. وتتغذي بعشرته.
* * *
من أجل هذا كله. يفرح الأبرار بالصوم..
يفرح القلب النقي بهذه الفترة التي يقترب فيها إلي الله. ويقترب فيها أيضا إلي الناس بكافة أعمال البر والمعاملة الحسنة.
يفرح بفترات الصوم. أكثر مما يفرح بالأعياد التي يأكل فيها ويشرب.. فهو لا يصوم. وفي أثناء الصوم يشتهي متي يأتي وقت الافطار. وانما في الافطار يشتهي الوقت الذي يعود فيه الصوم من جديد.
والصائم الذي ساعده الصوم علي اقتناء الكثير من الفضائل. يفرح بصومه وبالفضائل التي اقتناها فيه. ويحرص عليها ويجعلها لنفسه منهج حياة. فلا يتخلي مطلقا عن فضائل الصوم. حينما يأتي العيد والافطار.