من كتاب (ذكريات خادم ) الجزء الاول
القمص جوارجيوس عطا الله قلته>>
امينة هى جروح المحب وغاشة هى قبلات العدو ( ام 27 : 6 )>>
انتقل الوالد وترك ثروة تقدر بمئات الالاف من الجنيهات، وترك زوجة واولاداً صغاراً تتراوح اعمارهم بين الثامنة والخامسة عشر ، والزوجة فى العقد الخامس من عمرها. وكانت الزوجة تواظب على الكنيسة وعلى الاعتراف والتناول. اخبرتنى يوماً انها على خلاف مع اهل زوجها، فهم يحاولون التدخل فى كل شئونها المالية، وهم يخشون ان ترتبط بإنسان اخر وتهمل اولادها فهى ارملة غنية وقد تكون مطمع لأى رجل . وكانت تنفى ذلك بشدة مؤكده انها قد كرست ما تبقى من عمرها لرعاية أولادها وتعليمهم وتربيتهم تربية مسيحية. ولقد نصحتها مراراً ان تبقى على العلاقة بين اسرتها واسرة زوجها ولكنها لم تسمع للنصيحة، ثم بدأت تدريجياً تبتعد عن الكنيسة التى أخدم فيها، وكانت تخبرنى فى زياراتى لها انها تذهب للصلاة مع الاولاد فى كنائس اخرى وفى الاديرة وبدأت تقصر فى الاعترافات متعلله بأنها لا تفعل شيئاً يغضب الله. ولما اخبرتها ان كل انسان محتاج الى اب اعتراف وان هذا التغيير ليس فى صالح النمو الروحى لها ولاولادها وان الجميع فى حاجة الى الارشاد والتوجيه والتداريب الروحية ، وان حياة الانسان المسيحى تحتاج الى الجهاد الروحى وان هذا التقصير سيأتى بالضرر على الجميع، هى وأولادها ، كنت لا اسمع منها سوى الصد والرفض لكل كلماتى ، وكنت اقول لها : من يظن انه قائم فلينظر ان لا يسقط.">>
لقد احسست بالقلق على تلك الارملة خاصة بعد ان شاهدتها فى المناسبات وهى ترتدى ملابس غير محتشمة وتضع مساحيق كثيرة، لقد شعرت فى تحيتى لها بأننى غير مستريح، وقررت زيارتها سريعاً لئلا يكون عدو الخير قد خدعها ، فالخطية كل قتلاها اقوياء ، وهذه السيدة ضعفت وتراجعهت كثيراً فى حياتها الروحية. فى زياراتى فى تلك المرة لم تقابلنى بالترحاب واحسست انها تنظر الى كعدو وليس كأب كاهن كان من سنتين اب اعترافها . كانت تهرب من اجابة اى سؤال او استفسار وشعرت انها متضايقة لوجودى فى بيتها ، للسؤال عنها وعن اولادها الذين لم تسمح لهم بالتواجد معى إلا عندما طلبت حضورهم للصلاة قبل ان انصرف. بعد ذلك شعرت أن هناك مشكلة تعيشها تلك الارملة خاصة عندما اخبرتنى ان هناك انسان محب امين يرعى كل شئونها بعناية ودقة، رفضت ان تذكر اسمه او وظيفته.>>
مرت ثلاث سنوات تقريباً لم اسمع عنها شيئاً ولكن كنت اطلب من الله ان يستر عليها ويحميها من الشر والناس الاشرار ، وذات يوما حضرت الى الكنيسة وطلبت ان تتحدث معى بعد القداس. جلست معى فى الكنيسة بعد انصراف الشعب ، وبقيت صامته لا تتكلم لبضع دقائق ولكن دموعها الغزيرة تتكلم ، واخيراً اخبرتنى أنها انحرفت ، لقد تزوجت سراً دون علم انسان، فى احدى قرى الصعيد ، هذا الانسان الذى كان يرعى شئونها المالية، انه يصغرها بعشرين عاماً . لقد استولى على كمية كبيرة من اموالها، وكان يهدها أنه سيخبر اهل زوجها واولادها ، وكانت تشترى صمته، وعلمت بخداعه ولكن بعد فوات الوقت وانها تخاف من احتقار الناس لها، كانت تظن انها قوية ولا تحتاج الى احد وقالت لى انها كانت تشعر ان نصائحى لها تجرج كبريائها . لقد ادركت ان قبلاته لها ممتلئة بالغش والرياء والخداع. طلبت منى ان انقذها من الفضيحة ومن هذا الرجل المرعب الذى لا يتوقف عن ابتزازها ، وتهديدها بأنه لن يسكت لو حدث ان انصلت عنه. ولكنها بالسؤال علمت ان زواجها منه باطل لانه يعتمد على الغش والخداع والابتزاز وليس لغرض سوى المال الذى حصل عليه حتى انه بنى عماره باسمه فى احدى احياء القاهرة . ولما عرف انها علمت غرضه الشرير بدأ يضربها بقسة وهى لا تتكلم خوفاً من الفضيحة . واخيراً قررت الانفصال عنه لكى تهتم باولادها بعد ان اهملتهم قرابة ثلاثة سنوات.>>
ذهبت الى بيتها وقمت بمناقشة هذا الامر مع اولادها ، لقد قابلوا الخبر بالدهشة والضيق فى اول الامر ، ولكن عندما نظروا الى الام الباكية النادمة ، ارتموا فى احضانها واطمانت الام الى ان اولادها لن يتأثروا كثيراً بهذا الحدث ، حتى ان اكبرهم قام بالاتصال بذلك الانسان واخبره بتوبة الام وان رجوعها الى ما كانت عليه من محبة وسلام انساهم كل ما حدث. لقد اوصت الام اولادها ان الاعتداد بالذات والثقة الزائدة فى النفس كانت سبب السقوط ، وعدم الانتظام فى الاعتراف وعدم الاستماع الى نصائح الاب الكاهن هو الضياع والوقوع فى براثن الشرير . واخذت تردد لهم قول الحكيم : " امينة هى جروح المحب وغاشة هى قبلات العدو" ( أم 27 : 6 ) >>