موضوع: الأدوية الروحية الأحد يونيو 01, 2008 4:38 pm
الأدوية الروحية
نصلِّي في القدّاس الغريغوري قائلين: "كأبٍ حقيقي تعبتَ معي أنا الذي سقط، ربّطّني بكل الأدوية المؤدية إلى الحياة.."، وهنا "ربّطّتّني" تعني ضمّدتني وداويت جراحي، مثلما نضع الدواء على الجرح، ونربطه بضمادة أو عُصابة حتى يُشفى تمامًا..! هكذا الله يداوي جراح الخطيّة في حياتنا بأدويته المُحيية.. التي قد تتنوّع في شكلها، لكنها دائمًا ما تكون مُناسبة لحالتنا نافعة لشفائنا.. ولنأخذ بعض الأمثلة: - في حالة الإصابة بمرض اليأس وفُقدان الرجاء، نجد الله يداوينا بأحضانه المفتوحة على الصليب، وبصوته العذب القائل "مَن يُقبِل إليّ لا أخرجه خارجًا"(يو37:6)، "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. لم أتِ لأدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة" (مر17:2). - في حالة الإصابة بمرض الخوف أو صِغَر النفس، يداوينا الله بكلماته المُشجِعة "صِرتَ عزيزًا في عينيّ، ومُكرَّمًا وأنا قد أحببتك"(إش4:43)، "أنا الرب إلهك الممسك بيمينك القائل لك لا تخَف أنا أعينك"(إش13:41)، "لا تَخَف لأني فديتك، دعوتك باسمك أنت لي"(إش1:43). - في حالة تسلُّل مرض الغيرة والحسد إلى النفس، يقدِّم لنا الله أدويته المُحيية؛ إذ يلفت نظرنا إلى النِعَم الكثيرة التي فاض بها علينا، فنشكره ونسبِّحه عليها ولا نلتفت لغيرنا، بل نصرخ قائلين: "شكرًا لله على عطيته التي لا يُعبَّر عنها"(2كو15:9)، "شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين، ويُظهِر بنا رائحة معرفته في كل مكان"(2كو14:2)، "الذي يمنحنا كل شيء بغِنى للتمتُّع"(1تي17:6). - إذا حاول مرض الكراهية أن يدخُل ويعكِّر قلوبنا.. يقدِّم لنا السيِّد المسيح محبته كأعظم دواء إذ ننظر إليه على الصليب وهو يقول "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون"(لو34:23)، "بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضًا لبعض"(يو35:13)، "لأن محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطَى لنا"(رو5:5). ومَن يتمتّع بمحبّة المسيح فقد امتلأ قلبه بالنور الذي يُبدِّد ظلمة الكراهية..! - إذا أراد ميكروب الغضب والانتقام وردّ الشرّ بالشرّ أن يهاجمنا ويقتحم حياتنا، يسكب الله أدوية سلامه في قلوبنا قائلاً لنا:"لا تقاوموا الشرّ.. لي النقمة أنا أجازي.. لا يغلبنّك الشرّ بل اغلب الشرّ بالخير"(رو12)، "سلامًا أترك لكم، سلامي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا"(يو27:14)، "قد كلّمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام، في العالم سيكون لكم ضيق، لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم"(يو33:16). - أما إذا أراد مرض الطمع في العالم والمال وحُبّ المظاهر أن يسيطر على قلوبنا، فإن كلمات الإنجيل تقدِّم لنا الدواء الواقي والشافي لهذا المرض الخطير، إذ تنير أمامنا الحقائق: "ما هي حياتكم إنها بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل"(يع14:4)،"هيئة هذا العالم تزول"(1كو37:1)،"هذه التي أعددتها لِمَن تكون!"(لو20:12)، "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه"(مت26:16)، "فإنه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله"(لو15:12). كما يقدِّم لنا الكتاب المقدّس أيضًا نماذج من الذين طلبوا المال والشهرة والمظاهر والسُلطة مثل أبشالوم ويهوذا الإسخريوطي، وكيف كانت نهايتهم..!! - إذا أراد ميكروب الشهوة الجسدية والعاطفية أن يدخل ويلوِّث النفس.. فإن أدوية النعمة هي التي تقوينا؛ من صوم وصلاة وميطانيات، والتسلُّح باسم يسوع، والتغذِّي بالتسابيح والقراءات الروحية، مع آيات الكتاب المقدَّس القوية التي نستند عليها في جهادنا ضد هذا الميكروب الخطير.. مثل:"نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة. لأنه مكتوب كونوا قديسين لأني أنا قدوس"(1بط15:1-16)، "أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم"(1كو16:3)، "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم. لأنكم قد اشتُريتُم بثمن. فمجِّدوا الله في أجسادكم، وفي أرواحكم التي هي لله"(1كو19:6-20)، "إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون"(رو13:8)، "أميتوا أعضاءكم التي على الأرض: الزنى، النجاسة، الشهوة الرديّة، الطمع الذي هو عبادة الأوثان..." (كو5:3)، "حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تُظهَر حياة يسوع أيضًا في جسدنا"(2كو10:4). - أما مرض الكسل والتواني، والذي يبدو أنه مرض بسيط فهو من أسوأ الأمراض التي تصيب النفس، وتُضعِف المناعة الروحية للنفس بشكل خطير، فيصبح الإنسان فريسة لباقي الأمراض.. وهنا تقدِّم لنا النعمة من خلال صلوات وأسرار الكنيسة أدوية مقوِّية ومُنَشِّطة.. تسابيح ومزامير وألحان وعظات، مع مناخ روحي ساخن لتشجيع الكسالى على الاندماج بحرارة ونشاط في جوّ العبادة.. كما أن كلمة الله عندما تتغذّى بها النفس، سواء عن طريق القراءة أو سماع العظات فإنها تُشدِّد الإرادة، وتُنهِض الإنسان الغارق في الإهمال ليفيق ويتحرّك قلبه في اتّجاه التوبة والعبادة الحارّة..